الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص37
فدل هذا الحديث على ثلاثة أحكام خالف فيها أبو حنيفة :
أحدها : أنه جزأهم ثلاثة أجزاء ، لتتكامل الحرية والرق ، وأبو حنيفة لا يجزئهم .
والثاني : أنه أقرع بينهم لتمييز الحرية من الرق ، وأبو حنيفة لا يقرع بينهم .
والثالث : أنه كمل الحرية في اثنين ، والرق في أربعة ، وأبو حنيفة يعتق من كل واحد ثلثه ، ويرق ثلثيه ، وما خالف النص كان مدفوعاً .
فإن قالوا : معنى هذا الحديث مستعمل في غير ما قلتموه ، وهو أن قوله : ‘ جزأهم ثلاثة أجزاء ‘ أي جزءا حرية ، وجزأين رقا .
وقوله : ‘ أقرع بينهم ‘ أي استقصاء في اعتبار القيمة اشتقاقا من المقارعة ، لا من القرعة مأخوذ من قولهم : قرع فلان فلانا إذا استقصى عليه .
وقوله : أعتق اثنين ، وأرق أربعة أي أعتق سهمين ، وأرق أربعة أسهم .
قيل : هذا تأويل معدول به عن الظاهر بغير دليل ، ويبطل بالدليل . أما قولهم : إن معنى جزأهم أي جعل جزءاً حرية ، وجزأين رقا ، فليس بصحيح ، لأن هذه تجزئة الأحكام دون الأعيان ، وحمل التجزئة على الأعيان أولى من حملها على الأحكام ؛ لأمرين :
أحدهما : أن تجزئة الأحكام معلومة بالعتق ، فاستغنت عن تجزئة الرسول ( ص ) .
والثاني : أنها فعل ، والفعل متوجه إلى الأعيان دون الأحكام .
وأما قولهم ، إن معنى أقرع أي استقصى في القيمة ، فليس بصحيح من وجهين :
أحدهما : أنه لو أعتق من كل واحد ثلثه ، لم يحتج إلى اعتبار القيمة .
والثاني : أن القرعة بينهم لا تكون قرعة في قيمتهم .
وأما قولهم : ‘ اعتق اثنين ‘ أي سهمين ‘ وأرق أربعة ‘ أسهم فليس بصحيح من وجهين :
أحدهما : أنه لو كان ما قالوه لكان العتق بينهما والرق سهمين .
والثاني : أن التجزئة مغنية عن هذا فلم يجز أن يحمل على ما لا يفيد ، وهذا مغن عن التجزئة ، فلم يجز أن يفعل ما لا يفيد .
وأما الاستدلال عليهم فمن وجهين :
أحدهما : على جواز التجزئة لتكميل الحرية ، وتكميل الرق .