الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص25
قال الماوردي : قصد الشافعي بهذا أبا حنيفة ، وابن أبي ليلى في وجوب السعاية ، حين منعا أن تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك ، لأن من منع من اجتماع الحرية والرق ، أوجب السعاية ومن جوز اجتماعهما لم يوجبها ؛ والشافعي ومالك لا يمنعان من اجتماعهما فلذلك لم يوجبا السعاية وأبو حنيفة وابن أبي ليلى منعا من اجتماعهما ؛ فلذلك أوجبا السعاية وكان من دليلهم على المنع من اجتماعهما شيئان : أورد الشافعي أحدهما وانفصل عنه ، وأعرض عن الآخر ، لأنه أضعف منه .
فأما الذي أورده الشافعي إن قالوا : لا يجوز أن تكون نفس واحدة بعضها حر ، وبعضها رق ، لتنافي أحكام الحرية والرق ، كما لا يجوز أن تكون امرأة واحدة بعضها طالق ، وبعضها غير طالق ، لتنافي أحكام الزوجية والطلاق . فانفصل الشافعي عنه بالفرق المانع من الجمع بين الزوجة ، والعبد من وجهين :
أحدهما : أن الاشتراك في العبد بأن يملكه جماعة يجوز لأن الرق يجوز أن يتبعض ، والاشتراك في الزوجة بأن يتزوجها جماعة ، لا يجوز لأن النكاح لا يجوز أن يتبعض ، فلذلك جاز أن يكون العبد بعضه حر وبعضه مملوك ، لأن رقه يتبعض في مالكيته فيتبعض في أحكامه ، ولم يجز أن تكون الزوجة الواحدة بعضها طالق ، وبعضها غير طالق ، لأن نكاحها لا يتبعض في الأزواج ، فلم يجز أن يتبعض في أحكامه .
والفرق الثاني : أن العبد مملوك يجوز أن يباع ويورث ويوهب ، لأن المقصود منه الملك ، والملك يجوز أن يتبعض والزوجة غير مملوكة ، لا يجوز أن تباع ولا توهب ولا تورث لأن المقصود منها الاستمتاع ، والاستمتاع لا يجوز أن يتبعض .
وأما الثاني : من استدلالهم الذي أعرض عنه الشافعي ، أن قالوا : الإيمان أصل للحرية ، والكفر أصل للرق ، فلما لم يجز أن يجتمع الإيمان والكفر في النفس الواحدة ، لم يجز أن تجتمع الحرية والرق في النفس الواحدة . وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه ليس الكفر موجبا للرق ، لأنه قد يكون الكافر حرا ، ولا الإيمان موجبا للحرية ، لأنه قد يكون المؤمن مسترقا ، وإنما كان سببا لهما يزولان مع بقائهما .
والثاني : أنه لما جاز أن يطرأ الإيمان على رق ثابت ، ولم يجز أن يطرأ الإيمان