الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص24
والجدة أم الأم ، ترث ولا تورث ، فلم يكن هذا قياساً مستمرا في غير المعتق بعضه ، فلم يلزم في المعتق بعضه .
فإن قيل : فقد قال الشافعي : ( الناس يرثون من حيث يورثون ) قيل له : لم يقله الشافعي تعليلا عاما ، فيجعله قياسا مستمراً ، وإنما قاله ردا على من ألحق الولد بماء أبيه ولم يورث كل واحد منهم ميراث أب ، وورث الولد من كل واحد منهم ، ميراث ابن ، فقال : الناس يرثون من حيث يورثون ؛ لأنه كمل النسب ، ولم يكمل الميراث فتوجه الرد به للشافعي ، ولم يتوجه الرد به للمزني .
قال الشافعي في القديم : لا يورث ، وهو قول مالك ، ويكون ماله لسيده ، لأنه إذا لم يرث بحريته ، لم يورث بها . وقال في الجديد : يكون موروثا عنه لورثته دون سيد رقه ، لأن السيد لا يملك ذلك عنه في حياته ، فلم يملكه بعد موته .
وقال في موضع ثالث : يكون ماله بين ورثته ، وسيد رقه بقدر حريته ورقه . فاختلف أصحابنا في هذه النصوص الثلاثة . فكان أبو إسحاق المروزي في طائفة يخرجون هذه النصوص الثلاثة على ثلاثة أقاويل :
أحدها : تكون لسيده دون ورثته .
والثاني : تكون لورثته دون سيده .
والثالث : تكون بينهما تورث عنه بقدر ما فيه من الحرية ، ويكون للسيد بقدر ما فيه من الرق ، تعليلا بما ذكرناه .
وكان أبو علي بن أبي هريرة ، وطائفة من بعض البصريين ، يمتنعون من تخريج هذه النصوص على اختلاف الأقاويل ، ويحملونها على اختلاف الأحوال ، والذي نص عليه أنه يكون لسيده ، فإذا كان قد مات في زمان سيده وقد استهلك ما كان قد ملكه بحريته يكون ماله لسيده دون ورثته ، والذي نص عليه أنه يكون لورثته إذا كان قد مات في زمان نفسه ، وقد أخذ السيد ما ملكه عند برقه ، فيكون ماله لورثته دون سيده ، ويكون بينهما إذا كان غير مهايأة ، وفي يده مال بالحقين ، كان بين الورثة والسيد ميراثا بالحرية ، وملكا بالرق .
وقال أبو سعيد الإصطخري ، يكون جميع ما يخلفه في الأحوال كلها بالحرية ، والرق ، منتقلا إلى بيت المال ، لا يملكه السيد ، لأنه لا حق له في حريته ، ولا يستحقه الورثة ، لبقاء أحكام رقه ، فكان بيت المال أولى الجهات باستحقاقه .