الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص414
ولأن من الحقوق المختلفة ما يتعذر وجود جنسها في ماله ، فدل على جواز أخذه من غير جنسه ومن جنسه ، ولأن من جاز له أخذ دينه من جنسه جاز له أخذه مع تعذر الجنس أن يأخذ من غير جنسه قياسا على أخذ الدراهم بالدنانير ، والدنانير ، بالدراهم .
ولأن من جاز أن يقضى منه دينه ، جاز أن يتوصل مستحقه إلى أخذه ، إذا امتنع بحسب الممكن قياسا على المحاكمة .
فإن قيل : فالحاكم يجبر على البيع ولا يبيع عليه .
قيل : عندنا يبيع عليه في دينه ، إذا امتنع من بيعه سواء ، كان ماله عروضا ، أو عقارا . وحكي عن أبي حنيفة : أنه منع من بيع العقار في الديون ، وهو عندنا مبيع عليه ، في الحالين جبرا ، لأن جميع الديون تقضى من جميع الأموال كدين الميت .
وأما الجواب عن قولهم : ‘ لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه ‘ فهو أن حمله على أن لا يدفع صاحب الدين من دينه ، وهو مظلوم ، أولى من حمله على من عليه الدين ، وهو ظالم . وأما الجواب عن قوله : ‘ أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك ‘ . وهو أن الأمانة هي الوديعة ، تؤدى إلى مالكها ، وليس مال الغريم وديعة ، يكون أمانة وقوله : ‘ ولا تخن من خانك ‘ فليس مستوفى حقه خائنا ، فلم يتوجه إليه الخطاب .
فإن قيل : فما معنى الخبر . قيل : يحمل معناه مع ضعفه ، عند أصحاب الحديث ، على أحد وجهين : إما على الأعراض ، إذا هتكت والحقوق إذا بطلت وإما على الودائع ، إذا جحدت ثم أديت .
وأما قياسه على ما في يده من رهون وودائع ، فتلك لا يملكها فلم يجز أن تؤخذ في دينه ، وهذا ما له فجاز أن يؤخذ من دينه .
وأما الجواب عن استدلالهم بالتقسيم في أخذه ملكا ، أو مبيعا فإنه ينقسم يؤخذ في أخذ الدراهم عن الدنانير والدنانير عن الدراهم ، ولا يمنع جوازه ، فكذلك في غيره على أن لنا في البيع ما سنذكره .
قيل له : إن قدرت عليه من جنس حقك ، لم يكن لك أن تعدل إلى غير جنسك . وكنت في أخذه من غير جنسه متعديا فإن كان حقك دراهم لم يكن لك أن تأخذه إلا دراهم ، وإن كان حقك دنانير ، لم يكن لك أن تأخذه إلا دنانير ، وكذلك إن كان حقك برا ، أو شعيرا أخذت جنس حقك من البر ، والشعير .