الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص384
ويدل عليه من طريق المعنى ، وهو أن الحادثة في الشرع ، إذا تجاذبها أصلان حاظر ومبيح ، لم ترد إليها ، وردت إلى أقواهما شبها بها ، كذلك في اشتباه الأنساب .
والدليل على إبطال إلحاق الولد يأتي في وقول الله تعالى : ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) [ الحجرات : 13 ] ، وهذا خطاب لجميعهم فدل على انتفاء خلق أحدهم من ذكرين وأنثى ، وقال تعالى : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ) [ الإنسان : 2 ] فمنع أن يكون مخلوقا من نطفتين ، ويدل عليه أن ليس في سالف الأمم ، وحديثها ، ولا جاهلية ، ولا إسلام ، أن نسبوا أحدا في أعصارهم ، إلى أبوين ، وفي إلحاقه باثنين خرق العادات ، وفي خرقها إبطال المعجزات ، وما أفضى إلى إبطالها ، بطل في نفسه ، ولم يبطلها . والقياس ، هو أنهما شخصان ، لا يصح اجتماعهما على وطء واحد فلم يجز أن يلحق الولد بهما كالحر مع العبد ، والمسلم مع الكافر فإن أبا حنيفة يمتنع من إلحاقه بهما ، وإن اشتركا في الوطء فيلحقه بالحر دون العبد ، والمسلم دون الكافر ، والدليل على إبطال خلقه من ماءين مع ما قدمناه من نص الكتاب شيئان :
أحدهما : ما أجمع عليه أمم الطب في خلق الإنسان ، أن علوق الولد يكون حين يمتزج ماء الرجل بماء المرأة ، ثم تنطبق الرحم عليهما بعد ذلك [ الامتزاج ] فينعقد علوقه لوقته ، ولا يصل إليه ماء آخر ، من ذلك الواطىء ولا من غيره ، وقد نبه الله تعالى على قوله تعالى : ( فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ) يعني أصلاب الرجال ، وترائب النساء ، والترائب الصدور فاستحال ، بهذا خلق الولد من ماءين من ذكر أو من ذكرين .
والثاني : أنه لما استحال في شاهد العرف أن تنبت السنبلة من حبتين ، وتنبت النخلة من نواتين ، دل على استحالة خلق الولد من ماءين .
فإن قيل لما لم يستحل خلق الولد من ماء ذكر ، وأنثى ، لم يستحل أن يخلق من ماء ذكرين وأنثى .
قيل : قد جوزتم ما يستحيل إمكانه في العقول ، والعيان من إلحاق الولد ، بأمين فكيف اعتبرتهم إنكار إلحاقه بأبوين ؟ وتعليلكم بالإمكان في الأبوين يبطل إلحاقكم له بأمين ، وكلا الأمرين عندنا مستحيل في الأبوين ، والأمين ، ثم نقول ما استحال عقلا وشرعا في لحوق الأنساب . لم يثبت به نسب كابن عشرين إذا ادعى أبوه ابن عشرين سنة لم يلحق لاستحالته ، كذلك ادعاء امرأتين ولد لم يلحق بهما لاستحالته .