الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص370
وجعلها أبو حنيفة شهادة بالقطن ، دون الثوب ، والغزل ، وبنى ذلك على أصله أن الغاصب إذا عمل في المغصوب بما يغير عن حاله ، كان أحق به من مالكه وغرم له بدل أصله ، وقد مضى الكلام معه في الغصب ، وان مالكه أحق به من غاصبه .
فعلى هذا إن كانت قيمة الثوب منسوجا أكثر من قيمته غزلا ، وقطنا ، وهو الأغلب لم يرجع صاحب اليد بزيادته على المالك .
وإن كان أقل وهو نادر ، رجع المالك بنقصانه على صاحب اليد من أكثر قيمته قطنا ، أو غزلا ، وهكذا القول في نظائر هذا إذا شهدوا أن هذا الدقيق من حنطة زيد ، وهذه الدنانير من ذهبه ، وهذه الدراهم من فضته ، وهذه النخلة من نواته ، وهذا الزرع من بذره ، كانت له شهادة بملك ذلك ، سواء كان بعمل صاحب اليد ، أو بغير عمله ، وعند أبي حنيفة : إن تغير بعمل صاحب اليد ملكه .
فعلى هذا يقول إن نبتت النواة نخلة بنفسها ، ونبت البذر في الأرض بنفسه ، كان لمالكه ، وإن كان بعمل صاحب اليد ، كان له ، يقول في رجل غصب دجاجة فباضت بيضتين حضنت الدجاجة إحداهما حتى صارت فرخا وحضن الغاصب الأخرى ، إما تحت الدجاجة ، أو تحت غيرها حتى صارت فروجا كان الفرخ الأول لمالك الدجاجة ، والفروج الثاني للغاصب .
وجميع ذلك كله عندنا لمالك أصله على ما بيناه .
ولكن لو شهدوا أن هذا الزرع من ضيعته ، لم يكن ذلك شهادة له بملك الزرع ، لأنه قد يجوز أن يكون زرع أرضه لغيره ، وهذا مما اتفقنا نحن وأبو حنيفة عليه .
فإن قيل : أفتكون هذه شهادة له باليد على الزرع نظر ، فإن لم يقولوا زرع فيها ، وهي على ملكه لم تكن شهادة له باليد ، لجواز زرعه فيها ، وحصاده قبل ملكه ويده وإن قالوا : زرع وحصد في ملكه ، كانت شهادة له بيد متقدمة فيكون عند البويطي ، وابن سريج ، على قولين كالشهادة بالملك القديم يوجب ثبوت يده في الحال ، وإحلافه على الزرع أنه ملكه .
والثاني : لا يوجب ثبوت يده ، ولا يحلف على ملكه .
والذي عليه أصحابنا أنه لا يحكم له باليد قولا واحدا لما بيناه ، ولا يحلف عليه ، ويكون القول فيه قول صاحب اليد في الحال مع يمينه ، فإن أقام صاحب الأرض بأداء خراجه أو بدفع عشرة إلى المستحق لقبض خراجه وعشرة لم يملكه ، لأنه قد ينوب في أدائه عن مالكه .