پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص347

والقول الثاني : وهو أظهر وبه قال أبو حنيفة ، واختاره المزني ، أن الشهادة بقديم الملك أرجح ، والحكم بها أولى لأمرين :

أحدهما : أنهما قد تعارضتا في أقل المدتين ، وأثبتت المتقدمة ملكا لم يعارض فيه فوجب وقف المتعارض ، وأمضى ما ليس فيه تعارض .

والثاني : أن ثبوت ملك المتقدم يمنع أن يملكه المتأخر إلا عنه ، ولم تتضمنه الشهادة ، فلم يحكم بها ، فإذا تقرر توجيه القولين .

فإن قيل بتساويهما على القول الأول ، صارتا متعارضتين فيكون فيهما ثلاثة أقاويل :

أحدها : إسقاطها والرجوع إلى صاحب اليد .

والقول الثاني : الإقراع بينهما ، والحكم لمن قرع منهما .

والقول الثالث : استعمالها ، وقسم الشيء بينهما ، وهذا القول يجيء في هذا الموضع لمكان الاشتراك .

فإن قيل بترجيح البينة بقديم الملك على البينة بحديثه ، وجعل الحكم فيها أولى ، ثبت لصاحبها الملك من المدة المتقدمة ، وحكم له بما حدث عن الملك من نتاج ، ونماء وغلة في تلك المدة ، وإلى وقته ، ثم يبنى على هذين القولين ما جعله المزني أصلا . وهو أن تنازعا دابة ، فيقيم أحدهما البينة أنها له نتجها في ملكه ويقيم الآخر البينة أنها له ولا يقولون نتجها في ملكه .

حكى المزني عن الشافعي رضي الله عنه أنه جعلها لمن أقام البينة ، أنه نتجها في ملكه ، وجعله شاهدا على الحكم بقديم الملك دون حديثه ، فاختلف أصحابنا في النتاج : هل يترجح بالبينة قولا واحدا ، أو يكون على قولين كالشهادة بقديم الملك ؟ وذهب ابن سريج وابن خيران إلى التسوية بينهما ، وأنهما على قولين :

أحدهما : أنهما سواء في التعارض .

والثاني : أنه يترجح البينة بقديم الملك ، وبالنتاج على البينة الخالية منهما .

وحكى أبو علي بن خيران عن أبي العباس بن سريج أن الشهادة بالنتاج ليست من منصوصات الشافعي ، وإنما أوردها المزني من تلقاء نفسه .

وذهب جمهور أصحابنا إلى صحة نقله ، وأن بينة النتاج عند الشافعي أقوى من البينة بقديم الملك على قولين ، ولئن لم يكن النتاج مسطورا ، فقد نقله عنه سماعا ، وفرقوا بين النتاج وقديم الملك في القوة ، بأن الشهادة بالنتاج على ملكه تنفي أن يتقدم