الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص326
أحدهما : أن اليد غير موجبة للملك ، وإنما يستدل بظاهرها على الملك ، وإن جاز أن تكون بغير ملك ، لدخولها بغصب ، أو إجارة ، فإذا زالت بيد طارئة ، صارت الثابتة أولى من الزائلة لجواز انتقالها بملك طارىء من ابتياع ، أو هبة فبطل بزوالها ما أوجبه ظاهرها .
والثاني : أن البينة تسمع فيما تصح فيه الدعوى ، ولو قال المدعي كانت هذه الدار في يدي بالأمس ، لم تسمع هذه الدعوى فوجب إذا أقام البينة بذلك أن لا يسمع ، لأن البينة يجب أن تكون مطابقة للدعوى في القبول والرد .
والقول الثاني : وهو ما نقله ‘ البويطي ‘ أن بينة المدعي مسموعة ويحكم بها على اليد الطارئة ، لتقدمها إلا أن يقيم صاحب اليد بينة أنها انتقلت إليه بحق من هبة أو بيع ، لأنه اليد دالة على الملك فجرت مجراه ، وقد ثبت أن المدعي لو أقام بينة على أن الدار كانت له بالأمس حكم له بها . كذلك إذا أقام بينة أنها كانت في يده بالأمس ، وذهب أبو إسحاق المروزي وجمهور أصحابنا إلى إبطال ما نقله البويطي ، ونسبوه إلى مذهب لنفسه ، وليس بقول الشافعي لأن كتب الشافعي تدل نصوصها على خلافه ، وكذلك ما نقله عنه سائر أصحابه تعليلا ، بما قدمناه ، وفرقوا بين أن يقيم البينة ، أنه كان مالكا لها بالأمس ، فيحكم بها ، وبين أن يقيم بينة بأنها كانت في يده بالأمس ، ولا يحكم بها ، لأن ثبوت الملك يوجب دوامه إلا بحدوث سبب يوجب انتقاله وثبوت اليد
لا توجب دوامها ، لأنها قد تكون بإجارة ترتفع بانقضاء مدتها ، فافترقا في القبول لافتراقهما في الموجب .
وإذا وجب بما ذكرنا أن تكون البينة باليد المتقدمة ، غير مسموعة مع ما حدث من اليد الطارئة ، فإنما لا تسمع إذا كانت مقصورة على تقدم اليد فإن شهدت مع تقدم اليد بالسبب الذي انتقلت به إلى اليد الطارئة من غصب ، أو وديعة ، أو عارية وجب سماعها والحكم بها ، وهو معنى قول الشافعي ، ‘ إلا أن يقيم بينة أنه أخذها منه ‘ .
يعني بما لا يوجب زوال الملك ، إما بمباح من وديعة ، أو عارية ، أو بمحظور من غصب وتغلب ، لأنه قد بان بالبينة ، أن اليد الطارئة غير موجبة للملك فثبت بها حكم اليد المتقدمة .
قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا كانت دار في يد رجل فتداعاها رجلان ، فقال أحدهما : هذه الدار لي غصبني عليها صاحب اليد ، وأقام على ذلك بينة .