الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص309
وهكذا لو شهد الشهود بدين على غائب ، أو ميت ، جاز إحلاف المشهود له ، أنه ما برىء إليه من الدين ولا من شيء فيه ، لأن الغائب والميت لو كانا حاضرين لجاز . أن يدعيا قضاء الدين ، أو الإبراء منه ، فلزم لأجل الاحتياط أن يحلف المشهود له على مثل لو ادعاه الحاضر أحلف له ، فإن قضى الدين من مال ناجز أحلف عند الشروع في قضائه ، ثم قضى بعد يمينه .
وإن كان نقضا من بيع عقار ، أحلف قبل بيعه ثم بيع وقضي من ثمنه ، ولم يجز أن يباع قبل يمينه لأنه قد يجوز أن ينكل عن اليمين ، فيفوت استدراك المبيع فأما إحلاف الشهود على صدقهم فيما شهدوا به ، فلا يجوز وهو قول جميع أهل العلم .
وحكي عن الهادي العلوي أنه باليمين كأن يحلف الشهود إذا ارتاب بهم ، ثم يحكم بشهادتهم ، وهذا قول خرق به الإجماع وخالف به الأمة ، لقول الله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) [ البقرة : 282 ] فأمر بالحكم بها ، ولم يوجب اليمين معها .
ولأنهم إذا كانوا صادقين ، وجب الحكم بشهادتهم ، من غير يمين ، وإن كانوا كاذبين لم يجز الحكم بها مع اليمين .
ولأنه لو جاز إحلاف الشهود مع الارتياب لجاز إحلاف الحكام ، ثم إحلاف الأئمة ، ثم إحلاف الأنبياء أن ما أدوه عن الله تعالى حق وما أفضى إلى هذا كان مطرحا .
قال الماوردي : وأصل هذا أن الدعوى المجهولة لا يجوز للحاكم أن يسمعها ، ويسأل الخصم عنها إلا في الوصايا لجواز الوصية بالمجهول ، فأما غير الوصايا التي تمنع الجهالة منها ، فلا يصح ادعاؤه مجهولا حتى يستوفي المدعي ما يمنع من جهالة الدعوى ، لأن سماع الدعوى يكون للسؤال عنها ، والحكم بها ، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بمجهول ، فلم يجز أن يسمع الدعوى بمجهول ، فإذا كان هذا أصلا ، وكانت الدعوى معلومة تعلق الكلام بالكشف عن سببها ، وللمدعى عليه ثلاثة أقسام :
قسم لا يجب الكشف عن سببه .
وقسم يجب الكشف عن سببه .