الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص300
أو ادعى ألآنه ورث هذا العبد من أبيه وقد ولد بعد موت أبيه .
أو ادعى أن فلانا جرحه هذه الجراحة في يومه ، وفلان غائب إلى نظائر هذا من الدعاوى الممتنعة فتكون كاذبة ، يقطع بكذب مدعيها ، لا يسمعها الحاكم ، وإن صدقه الخصم عليها لاستحالتها ، وتزول بها عدالة المدعي للعلم بكذبه ، وبالله التوفيق .
وقال مالك لا يعد به على أهل الصيانة ، فلا يستحضره الحاكم ، إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ، لئلا يستبذل أهل الصيانات ، وقد قال النبي ( ص ) : ‘ أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ‘ وهذا ليس بصحيح لقول الله تعالى : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) فأمره بالتسوية وترك الميل .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده إلى أبي موسى : آسي بين الناس في وجهك ، وعدلك ، ومجلسك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف في عدلك .
وقد احتكم علي بن أبي طالب عليه السلام ويهودي إلى شريح في حال خلافته فلم يمتنع أن يساوي في المحاكمة بين اليهودي ، وبين نفسه ، ولأن خمول المدعي لا يمنع أن يكون ذا حق ، وصيانة المدعى عليه لا يمنع أن يكون عليه حق .
ولأن المعاملة لا تدل على بقاء الحق ، وعدمها لا يمنع من حدوث الحق ، فلم يكن لاعتبارها في الدعاوى وجه . والذي يجوز أن يستعمله الحاكم في تحاكم أهل الصيانة أن يميزهم عن مجالس العامة ، ويفرد لمحاكمتهم مجالسا خاصا يصانون به ، عن بذلة العامة ، يجمع فيه بينهم ، وبين خصومهم ، فلا ترد فيه الدعوى ولا تبتذل فيه الصيانة .