الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص273
ونقل المزني في هذا الموضع عن الشافعي : أن الحاكم إذا أطرد المشهود عليه جرح الشهود مدة إطراده ، فلم يأت بالجرح ، فأمضى الحكم عليه بشهادتهما ، ثم أتى بعد إمضاء الحكم عليه ببينة الجرح ثم كان حكمه عليه ماضيا ، وظاهر هذا أنه قول بأن الحكم لا ينقض بشهادة الفاسق .
واختلف أصحابنا في صحة تخريجه :
فمذهب المزني وأبو العباس بن سريج تخريجه قولا ثانيا ، وجعلوا نقض الحكم بشهادة الفاسق على قولين :
أحدهما : ينقضه ، وهو النص .
والقول الثاني : لا ينقضه ، وهو المخرج وبه قال أبو حنيفة .
وذهب أبو إسحاق المروزي وجمهور أصحاب الشافعي إلى المنع من تخريجه قولا ثانيا ، وأنه لا يجيء على مذهب الشافعي إلا ما نص عليه وصرح به من نقض الحكم بشهادته قولا واحدا .
وأجابوا عما نقله المزني ، فيمن اطرده الحاكم بجرح شهوده فأحضر بينة الجرح بعد انقضاء زمانه ونفوذ حكمه بجوابين :
أحدهما : أنه لم ينقضه ، لأن الخصم أقام بينة بفسق الشهود مطلقا ، ولم يشهدوا بفسق الشهود قبل الحكم ، فلم ينقضه لجواز حدوثه بعد نفوذ الحكم بها حتى يعينوا أنه كان فاسقا قبل الشهادة أو بعدها وقبل نفوذ الحكم بها فينقضها .
وأما الجواب الثاني : أنه محمول على أن الخصم عجز عن بينة الجرح عند اطراده فحكم عليه ، ثم عاد يسأل الحاكم إطراده ثانية ، ولا يجوز أن يطرده الجرح بعد إبطال الإطراد ، لأن الإطراد يوجب نقض الحكم عليه ، والحكم قد نفذ ، فلا يجوز أن يعاد إلى الوقف على الإطراد .
فإن بان للحاكم الفسق من غير إطراد الخصم ، بأن قامت عنده البينة بأنه شرب خمرا أو قذف محصنا قبل شهادته ، نقض الحكم بها ، فبان أن مذهب الشافعي رحمه الله نقض الحكم بشهادة الفاسق من غير أن يختلف قوله فيه كما ينقضه بشهادة العبد والكافر .
وقال أبو حنيفة : لا ينقض الحكم بشهادة الفاسق ، وإن نقضه بشهادة العبد والكافر استدلالا بأن الرق والكفر مقطوع بهما والفسق مجتهد فيه ، فجاز نقضه بالمقطوع به كما ينقض بمخالفة النص ، ولم يجز أن ينقض بمجتهد فيه ، لأن الحكم إذا نفذ بالاجتهاد لم ينقض بالاجتهاد .