الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص271
قال الماوردي : قد مضى القول في أن شهادة العبد والكافر غير مقبولة بما قدمناه من الدليل . فإذا ثبت حكم الحاكم بشهادة شاهدين في حد أو قصاص ، أو عتق ، أو طلاق ، أو ملك ، أو مال ، ثم بان له بعد نفوذ حكمه بهما ، أنهما عبدان أو أحدهما أو كافران أو أحدهما عبد والآخر كافر ، فإن الحكم بشهادتهما مردود ، لأنه حكم بشهادة من لا يجوز له الحكم بها فصار كحكمه بها مع علمه وجرى مجرى من حكم بالاجتهاد ثم بان له مخالفة النص ، كان حكمه مردودا قبل الحكم وبعده .
فإن قيل : فقد اختلف في شهادة العبد ، فأجازها شريح ، والنخعي ، وداود . وأجاز أبو حنيفة شهادة الكافر في موضع ، والاختلاف فيها دليل على جواز الاجتهاد فيها ، ولا يجوز أن ينقض بالاجتهاد حكما نفذ بالاجتهاد .
قيل : قد اختلف فيما ردت به شهادة العبد على ثلاثة مذاهب :
أحدها : بظاهر نص لم يدفعه دليل ، فصار كالدليل ، وهو قوله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) [ البقرة : 283 ] وليس العبد ممن يرضى .
فعلى هذا يكون الحكم بشهادته مخالفا للنص فكان مردودا .
والثاني : أنها مردودة بقياس على الشواهد غير محتمل ، انعقد عليه إجماع المتأخرين بعد شذوذ الخلاف من المتقدمين ، فصار مردودا بإجماع انعقد على قياس جلي .
والثالث : أنها ردت باجتهاد ظاهر الشواهد فلم يجز أن ينقض باجتهاد خفي الشواهد ، لأن الأقوى أمضى من الأضعف ، وإنما يتعارضان إذا تساويا في القوة والضعف ، على أن الاجتهاد لم يكن في الحكم بشهادته ، وإنما حكم بها ، لأنه لم يعلم أنه عبد ثم علم بعبوديته قطعا فوجب أن يقضي بعلمه على ما اشتبه وأشكل .