الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص256
والإقرار لازم في حق المقر دون غيره ، فلم يجز أن ينقض به الحكم ، لأنه يصير إقراره إلزاما لغيره ، وهو موجب أن يعود عليه لا على غيره .
فإذا ثبت أنه لا ينقض به الحكم بعد استيفاء الحق ، انتقل الكلام إلى ما يلزم الشهود برجوعهم ، وهو مختلف باختلاف الحق المستوفى ، وينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يكون إتلافا يختص بالأبدان .
والثاني : أن يكون إتلافا يختص بالأحكام .
والثالث : أن يكون إتلافا يختص بالأموال .
فهل قتل نفس أو قطع طرف بشهادتهم على رجل أنه قتل فقتل ، أو قطع فقطع ثم رجعوا على شهادتهم بعد أن قتل أو قطع فقد اختلف الفقهاء فيما يلزمهم برجوعهم إذا عمدوا :
فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن عليهم القود ، وهو قول ابن شبرمة وأحمد وإسحاق .
وقال أبو حنيفة : إن عليهم الدية دون القود وقال مالك : لا قود عليهم ولا دية .
واستدل أصحاب أبي حنيفة على سقوط القود بأن الشهادة سبب أفضى إلى القتل موجب أن يتعلق به الحكم الغرم دون القود ، كحفر البئر ووضع الحجر .
واستدل أصحاب مالك على سقوط الدية بأن الشهادة سبب اقترن به مباشرة الحاكم ، فلما سقطت الدية عن الحاكم بالمباشرة كان أولى أن تسقط عن الشهود بالسبب ، لأن السبب سقط بالمباشرة .
والدليل على وجوب القود : إجماع الصحابة في قضيتين مشهورتين عن إمامين منهم لم يختلف عليهما أحد منهم .
إحداهما : عن أبي بكر رضي الله عنه أن شاهدين شهدا عنده بالقتل وقيل بالقطع فاقتص منه ، ثم رجع الشاهدان وقالا : أخطأنا الأول وهذا هو القاتل أو القاطع . فقال : لو علمت أنكما تعمدتما لأقدتكما .
والقصة الثانية : ‘ وهي أثبت ‘ رواها الشافعي عن سفيان عن مطرف عن الشعبي أن رجلين شهدا عند علي عليه السلام على رجل أنه سرق فقطعه ، ثم أتياه بعد برجل آخر وقالا : أخطأنا في الأول وهذا هو السارق ، فأبطل شهادتهما على الآخر ثم ضمنهما دية