پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص232

أحدهما : يجوز ، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأكثر فقهاء الحجاز والعراق .

والقول الثاني : لا يجوز وهذا اختيار المزني .

وهذان القولان محمولان على أصل ، وهو أن ثبوت الحق ، هل يكون بشهود الأصل أو بشهود الفرع ؟ وفيه قولان :

أحدهما : أنه يثبت بشهود الأصل ، ويتحمله عنهم شهود الفرع ، لأنه يعتبر شرط الشهادة إذا كان مما يعاين في شهود الأصل دون شهود الفرع ويتحمله عنهم شهود الفرع ، فعلى هذا يصح أن يشهد شاهدا الفرع عن كل واحد من شهود الأصل .

والقول الثاني : أن الحق يثبت بشهود الفرع ، وهم يتحملون الشهادة عن شهود الأصل ، لجواز شهادتهم بعد موت شهود الأصل ، فعلى هذا إذا تحمل شاهدا الفرع عن أحد شاهدي الأصل ، لم يكن لهما أن يتحملا عن الشاهد الآخر .

ووهم أبو حامد الإسفراييني فعكسه ، وجعل ثبوت الحق بشهود الأصل مانعا من أن يشهد شاهد الفرع على كل واحد من شاهدي الأصل ، وجعل ثبوته بشهود الأصل تجوز أن يشهد كل واحد من شاهدي الفرع على كل واحد من شاهدي الأصل .

وهذا عكس الصواب ، لأن الحق إذا ثبت بشهود الأصل فهو تحمل بحق كل واحد ، ويجوز ثبوته بشاهدين ، فإذا بشهود الفرع فهو تحمل للشهادة بشاهدين ، فلم يجز أن يتحملاها عنهما ، لأنهما يصيران فيها كأحد الشاهدين ، وهذا دليل على الوهم ، وفرق ما بينهما في الحكم .

ثم الدليل على توجيه القولين في غير المسألة ، أنه إن قيل : يجوز لشاهدي الفرع أن يشهدا عن كل واحد من شاهدي الأصل فدليله من وجهين :

أحدهما : أنها شهادة على شخصين فجاز أن يجتمعا عليها في حق واحد ، كما جاز أن يجتمعا عليها في حقين .

والثاني : أن اجتماعهما عليها في الحق الواحد أوكد من اجتماعهما عليها في حقين ؛ لأنه في الحق الواحد موافق وفي الحقين غير موافق .

وإن قيل : إنه لا يجوز لشاهدي الفرع إذا شهدا على أحد الشاهدين أن يشهدا على الآخر حتى يشهد عليه غيرهما ، فدليله من وجهين :

أحدهما : أنهما قد قاما في التحمل عن أحدهما مقام شاهد واحد وذلك الحق ، فإذا شهدا فيه على الشاهد الآخر صارا كالشاهد إذا شهدا بذلك الحق مرتين ، ولا تتم الشهادة بهذا كذلك بالشاهدين .