الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص220
فذهب بعض فقهاء العراق إلى وجوب إشهاده على شهادته كما يجب عليه أداؤها عند الحكام ، لما فيه من حفظ الحق على صاحبه في الحالين .
ومذهب الشافعي ، يجب عليه أداء شهادته ولا يجب عليه الإشهاد على شهادته لثلاث معان :
أحدها : أن المقصود بتحمل الشهادة أداؤها دون الإشهاد عليها ، فلم يلزمه في التحمل غير المقصود به .
والثاني : الإشهاد عليها لا يسقط فرض أدائها فلم يلزمه بالتحمل فرضان .
والثالث : أن المقر ، لما لم يلزمه الإشهاد على إقراره لم يلزم الشاهد الإشهاد على شهادته .
والذي أراه أولى المذهبين عندي أن يعتبر الحق المشهود فيه ، فإن كان مما ينتقل إلى الأعيان كالوقف المؤبد الذي ينتقل إلى بطن بعد بطن ، لزمه الإشهاد على شهادته ، لأن البطن الموجود يصل إلى حقه بالأداء ، فلم يلزمه غيره . والبطن المفقود قد لا يصل إلى حقه إلا بالإشهاد على شهادته ، فلزمه الإشهاد عليها في حقه .
وكذلك الإجارة المعقودة إلى مدة قد لا يعيش الشهود إلى انقضائها في الأغلب ، فهي بمثابة المنتقل في وجوب الإشهاد على شهادته .
وكذلك الديون المؤجلة بالأجل البعيد .
فأما في الحقوق المعجلة ، أو في البياعات المقبوضة الناجزة ، فلا يلزمه فيها غير الأداء عند التنازع ، لأن التوثيق بها غير مستدام وأما إذا ابتدأ الشاهد بالإشهاد على شهادته من غير طلب جاز ، وكان بها متطوعا ، لأنها استظهار في التوثيق لصاحب الحق ، كالمتحمل للخبر إذا ابتدأ بروايته من غير طلب جاز وكان بها متطوعا .
ولا يسقط عن الشاهد فرض الأداء بهذا الإشهاد إذا أحدث التنازع مع إمكان الشهادة ، فإن انقطع التنازع ، سقط عنه فرض الأداء والإشهاد معا .
وهو معتبر بالحق المشهود فيه وهو ضربان :
أحدهما : ما كان من حقوق الآدميين .
والثاني : ما كان من حقوق الله تعالى .
فأما حقوق الآدميين فتجوز فيها الإشهاد على الشهادة ، سواء كان مما لا يثبت