الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص216
لعدم غيره ، أو لأن الحاكم لا يرى الحكم باليمين والشاهد ، أو يراه فلا يحلف معه المدعي ، فالحكم في هذه الأحوال الثلاثة على سواء .
ومذهب الشافعي المنصوص عليه في جميع كتبه ، وهو قول أهل الحجاز ، أنه يأخذ من المقر من الدين بقدر حقه ، وهو النصف ، ويحلف المنكر على النصف الآخر ويبرأ ، ويمينه على العلم دون البت . ويقول : والله لا أعلم أن له على أبي ما ادعاه أو شيئا منه .
وقال أبو حنيفة وأكثر أهل العراق : يلزم المقر جميع الدين .
وكان أبو عبيد بن حرثون وأبو جعفر الاستراباذي وهما من متأخري أصحاب الشافعي : يخرجان هذا قولا ثانيا للشافعي . فخالفهما من أصحاب الشافعي أكثرهم ووافقهما أقلهم ، وجعلوه تخريجا من مقتضى نص وليس بتخريج من نص وهو أن الشافعي يقول : إذا حلف أحد الابنين في القسامة فاستحق [ بأيمانه نصف الدية ] وكان على المقتول دين ، قضى جميعه من حصة الابن الحالف ، كذلك في هذه المسألة ، فخرجوها لأجل ذلك على قولين :
واختلف من أنكر تخريج هذا القول في ما قاله في القسامة على وجهين :
أحدهما : أنه محمول على أن الذي استحقه أحد الابنين بأيمانه ، كان جميع التركة ، فأخذ جميع الدين منه ، ولو ترك الميت غيره ما لزمه من الدين إلا نصفه .
والوجه الثاني : أنه محمول على أن أخاه معترف بالدين ، فاستحق باعترافهما جميع الدين ، وعجل قضاؤه من الذمة لتأخير غيره ليرجع على أخيه بقدر حقه ، ولو كان الأخ منكرا لم يؤخذ من المقر إلا قدر حقه .
واستدل أبو حنيفة ومن وافقه على وجوب الدين كله على المقر بقوله تعالى : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) [ النساء : 12 ] .
فجعل للوارث ما فضل عن الدين والوصية ، فوجب أن لا يرث إلا بعد قضاء جميعه ، لأن صاحب الدين مقدم وليس بمشارك .
ولأن ما يأخذه المنكر من التركة كالمغصوب في حق الدين ، وغصب بعض التركة موجب لقضاء الدين من باقيها ، فلزم أخذ جميعه منه .
والدليل على أن على المقر منهما نصف الدين دون جميعه ، هو أن الدين مستحق