الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص208
فأما قوله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) [ الشعراء : 224 ] فقد قال أهل التأويل : يريد بالشعراء الذين إذا قالوا كذبوا وإذا غضبوا سبوا .
وفي قوله تعالى : ( يتبعهم الغاوون ) أربعة تأويلات :
أحدها : الشياطين ، قاله مجاهد .
والثاني : المشركون ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
والثالث : السفهاء قاله الضحاك .
والرابع : الرواة قاله ابن عباس .
وفي قوله تعالى : ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) [ الشعراء : 225 ] ثلاث تأويلات :
أحدها : في كل فن من الكلام يأخذون . قاله ابن عباس .
والثاني : في كل لغو يخوضون قاله قطرب .
والثالث : أن يمدح قوما بباطل ، ويذم قوما بباطل . قال قتادة ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) [ الشعراء : 226 ] يعني من كذب في مدح أو هجاء .
فلما نزلت هذه الآية حضر عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت عند رسول الله ( ص ) فبكوا وقالوا : هلكنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ الشعراء : 227 ] فقرأها عليهم : وقال هم أنتم ( وذكروا الله كثيرا ) فيها وجهان :
أحدهما : في شعرهم .
والثاني : في كلامهم .
( وانتصروا من بعد ما ظلموا ) أي ردوا على المشركين ما هجوا به المسلمين ، فدلت الآية على أن المذموم من الشعر ما فيه من هجو : والهجو في الكلام مذموم فكيف في الشعر ، ولأن الشعر يحفظه نظمه فينتشر ويبقى على الأعصار والدهور .
وأما قوله ( ص ) ‘ لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلىء شعرا ‘ ففيه وجهان :
أحدهما : ما كان من الشعر كذبا وفحشا وهجاء .
والثاني : أن ينقطع إليه ويتشاغل عن القرآن وعلوم الدين .