الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص198
وشددها آخرون وحظروها ، لخروجها عن الزجر والعظة إلى اللهو والطرب . ولأنها خارجة عن عرف الرسول ( ص ) وصحابته رضوان الله عليهم إلى ما استحدث من بعده .
وقد قال ( ص ) : ‘ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ‘ .
وأما الشافعي فإنه عدل عن هذين الإطلاقين في الحظر والإباحة باعتبار الألحان ، فإذا أخرجت ألفاظ القرآن لمن صيغته ، بإدخال حركات فيه وإخراج حركات منه ، يقصد بها وزن الكلام وانتظام اللحن ، أو مد مقصور ، أو قصر ممدود ، أو مطط حتى خفي اللفظ ، والتبس المعنى ، فهذا محظور يفسق به القارىء ويأثم به المستمع ، لأنه قد عدل به عن نهجه إلى اعوجاجه ، والله تعالى يقول : ( قرآنا عربيا غير ذي عوج ) [ الزمر : 28 ] .
وإن لم يخرجه اللحن عن صيغة لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا ، لأنه قد زاد بألحانه في تحسينه وميل النفس إلى سماعه .
أما قوله : ‘ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ‘ ففيه تأويلان :
أحدهما : معناه من لم يستغن بالقرآن وهذا قول الأصمعي ومال إليه الشافعي .
وحكى زهير بن أبي هند عن إياس بن معاوية المزني أنه نظر إلى رجل يتغنى بالقرآن ، فقال : يا هذا إن كنت لا بد متغنيا فبالشعر ، فقال الرجل : أليس النبي ( ص ) يقول : ‘ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ‘ ، فقال له إياس : إنما أراد [ النبي ( ص ) ] ، ليس منا من لم يستغني بالقرآن ، ألم تسمع حديثه الآخر ‘ من حفظ القرآن فظن أن أحدا أغنى منه ‘ . أما سمعت قول الشاعر :
والتأويل الثاني : أنه محمول على غناء الصوت في تحسينه وتحزينه دون ألحانه . وهذا قول أبي عبيد وأنكر على من حمله على الاستغناء وقال : لو أراد هذا لقال : ‘ من لم يتغانى بالقرآن ‘ .