الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص195
رسول الله ( ص ) وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء ، فكان مع الرجال وكان أنجشة مع النساء ، فقال النبي ( ص ) لعبد الله بن رواحة : ‘ حرك بالقوم ‘ . فاندفع يرتجز وتبعه أنجشة فأعنقت الإبل في السير فقال النبي ( ص ) : ‘ رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير ‘ يعني النساء .
وروى الشافعي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال : أردفني رسول الله ( ص ) ثم قال ‘ أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت : نعم . قال : فأنشدته بيتا فقال : هيه . فأنشدته بيتا آخر . فقال : هيه . فأنشدته إلى أن بلغ مائة بيت ‘ .
‘ وهيه ‘ موضوعة في الكلام للحث والاستزادة ، وإنما استحسن شعر أمية لأن أكثره عبر وأمثال ، وأذكار بالبعث والنشور ووعد ووعيد بالجنة والنار .
وروي أنه ( ص ) قال فيه : ‘ إن كاد ليسلم ‘ .
وروي عن النبي ( ص ) أنه لقي في سفر ركبا من بني تميم معهم حاد فأمرهم أن يحدوا ، فقالوا : إن حادينا حدا ونام من آخر الليل . ثم قالوا : يا رسول الله ، إنا أول العرب حداء بالإبل . قال : وكيف ذلك ؟ قال : إن العرب كانت تغير بعضها على بعض ، فأغار رجل منا على إبل فاستاقها فتبددت . فضرب غلامه على يده ، فكان الغلام كلما ضربه صاح وايداه ! وايداه ! والإبل تجتمع لحسن صوته . وهو يقول : هكذا أفعل . والنبي ( ص ) يضحك . فقال : وممن أنتم ؟ قالوا : من مضر فقال : ‘ ونحن من مضر فكيف كنتم أول العرب حداء ‘ .
فدل هذا الخبر على إنشاد الرجز وإباحة الحداء ، وجواز الضحك عند التعجب ولأن الحداء غير مقصود به اللهو كالغناء ، وإنما يقصد به حث المطي وإعناق السير . فلم تتوجه إليه كراهية .
ولأن الحداء الحسن الرجز فيباح بالصوت الشجمي . فيخفف كلال السفر ، ويحدث نشاط النفس ، فلم يكن له في الكراهة وجه . وسواء فيه الحادي والمستمع .
وهكذا التغني بالركانية مباح ، لأنه ضرب من الحداء ، يعدل فيه عن ألحان الغناء .
وروي أن رسول الله ( ص ) لما هاجر إلى المدينة ، استقبله الأنصار وخرج إليه الفتيان بالدفوف وهم ينشدون :