الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص192
وكان بعض أصحابنا يخص العود من بينها ولا يحرمه ، لأنه موضوع على حركات نفسانية تنفي الهم ، وتقوي الهمة وتزيد في النشاط .
وهذا لا وجه له ، لأنه أكثر الملاهي طربا ، وأشغلها عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة . وإن تميز به الأماثل عن الأراذل .
وأما المكروه : فما زاد به الغناء طربا ، ولم يكن بانفراده مطربا . كالفسح ، والقضيب . فيكره مع الغناء لزيادة إطرابه . ولا يكره إذا انفرد لعدم إطرابه .
وأما المباح : فما خرج عن آلة الإطراب . إما إلى إنذار كالبوق ، وطبل الحرب . أو لمجمع وإعلان كالدف في النكاح ، كما قال صلوات الله عليه وسلامه : ‘ أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف ‘ .
واختلف أصحابنا هل ضرب الدف على النكاح عام في كل البلدان والأزمان ؟ فعم بعضهم لإطلاقه وخص بعضهم في البلدان التي لا يتناكر أهلها في المناكح . كالقرى والبوادي ويكره في غيرها ، في مثل زماننا ، لأنه قد عدل به إلى السخف والسفاهة .
فأما الشبابة : فهي في الأمصار مكروهة ، لأنها مستعملة فيها للسخف والسفاهة وهي في الأسفار والرعاة مباحة ، لأنها تحث على السير وتجمع البهائم إذا سرحت .
وإن قيل بكراهتها ، فهي من الخلاعة لا يفتقر إلى الاستغفار ولا ترد بها الشهادة إلا مع الإصرار ، وإن كان كذلك فالكلام فيها يشتمل على ثلاثة فصول :
أحدها : فيمن باشرها بنفسه .
والثاني : فيمن يستعملها للهوه .
والثالث : فيمن يغشى أهلها .
فأما المباشر لها بنفسه فله ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يصير منسوبا إليها ومسمى بها ، يقال إنه مغني يأخذ على غنائه أجرا ، يدعوه الناس إلى دورهم أو يغشونه لذلك في داره ، فهذا سفيه مردود الشهادة ، لأنه قد تعرض لأخبث المكاسب ونسب إلى أقبح الأسماء .
والحال الثانية : أن يغني لنفسه إذا خلا في داره باليسر استرواحا فهذا مقبول الشهادة وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خلا في داره يترنم بالبيت والبيتين :