الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص185
الجميع ، وصار به فاسقا مردود الشهادة . وإن شرب منه ما لم يسكره فإن عاقر عليه أو تكلم بالخنا والهجر ردت شهادته .
وقال محمد بن الحسن : لو عاقر على الماء كان حراما .
وإن لم يعاقر وشرب منه ما لم يسكر ، فله ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يعتقد تحريمه إما باجتهاد أو تقليد . فيفسق بشربه ويحد ولا تقبل شهادته . لإقدامه على ما يعتقده معصية فصار بإقدامه عاصيا .
والحال الثانية : أن يعتقد إباحته إما باجتهاد أو تقليد فمذهب الشافعي يكون على عدالته ويحد ولا ترد شهادته .
وقال مالك : قد فسق . فيحد وترد شهادته .
وقال المزني : لا ترد شهادته ولا يحد .
ومنعا جميعا من اجتماع الحد وقبول الشهادة ، فجعل مالك وجوب الحد مسقطا للشهادة ، وجعل المزني قبول الشهادة مسقطا للحد ، وفرق الشافعي بينهما ، فأوجب الحد ولم يرد الشهادة ، لأن الحد من حكم الشرب للردع عنه ورد الشهادة بالفسق بالتفسيق في حكم المعصية ، والمعصية في تأويل ما اختلف أهل العلم فيه مرتفعة ، فلم يمتنع اجتماع الحد وقبول الشهادة كالقاذف إذا تاب قبل الحد تقبل شهادته .
والحال الثالثة : أن شرب غير معتقد الإباحة ولا حظر ، مع علمه باختلاف أهل العلم في إباحتها وحظروها ، ففي فسقه ورد شهادته بعد وجوب الحد عليه وجهان لأصحابنا :
أحدهما : وهو مذهب البصريين أنه فاسق مردود الشهادة ، لأن ترك الاسترشاد في الشبهات تهاون في الدين فصار فسقا .
والوجه الثاني : وهو مذهب البغداديين أنه على عدالته وقبول شهادته . لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من الشرب ، لأن من اعتقد إباحة الخمر كفر . ومن شربها ولم يعتقد إباحتها لم يكفر . فلما لم يفسق من اعتقد إباحة النبيذ وشربه ، فأولى أن لا يفسق من شربه ولا يعتقد إباحته .