الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص154
بالكذب ، لأن الصبغ تغيير اللون بغيره . ويريد بالصواغين الذين يصوغون الكلام . ومنهم الشعراء . لأنهم يكذبون في التشبيه والتشبيب .
فإن كانوا على التأويل الأول ردت به شهادتهم ، لأن مخالفة الوعد كذب . وإن كانوا على التأويل الثاني ، لم ترد به الشهادة ، لأن مخالفة الاسم استعارة ، وإن كانوا على التأويل الثالث ، ردت الشهادة في الصباغين ولم ترد في الصواغين إذا سلموا من الكذب .
وأما المسترذل من الصنائع فضربان :
أحدهما : ما كان مسترذلا في الدين كالمباشرين للأنجاس من الكناسين والزبالين ، والحجامين ، أو المشاهدين للعورات كالقيم والمزين .
والضرب الثاني : ما كان مسترذلا في الدنيا كالنسيج والحياكة ، وما يدنس برائحته كالقصاب والسماك . فإن لم يحافظ هؤلاء على إزالة الأنجاس من أيديهم وثيابهم في أوقات صلواتهم وقصروا في حقوق الله تعالى عليهم ، كان ذلك جرحا في عدالتهم وقدحا في ديانتهم .
وإن حافظوا على إزالة النجاسة ، والقيام بحقوق العدالة ، ففي قدح ذلك في عدالتهم ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يقدح فيها ، لأن الرضا بها مع الاسترزال قدح .
والوجه الثاني : أنه لا يقدح في العدالة لأنه لا يجد الناس منها بدا . ولأنها مستباحة شرعا .
والوجه الثالث : أنه يقدح في العدالة منها ما استرذل في الدين . ولا يقدح فيها ما استرذل في الدنيا ، لا سيما الحياكة لكثرة الخير في أهلها .
فقد قال الشافعي : ‘ ليس أحد من الناس نعلمه إلا أن يكون قليلا بمحض الطاعة والمروءة . حتى لا يخلطهما بمعصية ولا بمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة .
وهذا صحيح لأن في غرائز أنفسهم دواعي الطاعات ودواعي المعاصي فلم يتمحض وجود أحدهما مع اجتماع سببهما وقد قال الشاعر :