الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص147
فأما حقوق الله تعالى فضربان :
أحدهما : ما لا يتعلق به حق لآدمي البتة كحد الزنا وحد شرب الخمر ، فلا تصح الدعوى فيه ، ولا يلزم الجواب عنه لورود الشرع بستره في قول النبي ( ص ) : ‘ من أتى من هذه القاذورات شيئا ، فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه ‘ . ولقوله ( ص ) : ‘ هلا سترته بثوبك يا هزال ‘ ، ولأنه لو أقر بالزنا ، ثم رجع لم يحد ، ولأن الدعوى لا تصح إلا من خصم في حقه أو حق غيره ، وهو غير موجود في هذه الدعوى .
فإن تعلق بالزنا حق لآدمي كالقاذف بالزنا إذا طولب بالحد ، فقال : أنا صادق في قذفه بالزنا ، وادعاه على المقذوف سمعت حينئذ هذه الدعوى ، ليكون الإقرار به مسقطا لحد القذف ، فإن أنكر المقذوف أحلف ، فإن نكل عن اليمين ردت على القاذف ، فإن حلف سقط عنه حد القذف ، ولم يجب بيمينه حد الزنا على المقذوف .
والضرب الثاني : من حقوق الله : ما تعلق به حق لآدمي ، لسرقة توجب الغرم ، وهو حق لآدمي ، والقطع ، وهو حق لله تعالى ، فإن سقط الغرم بتحليل أو إبراء ، لم تصح الدعوى فيه حينئذ وسقط وجوب اليمين فيها ، وإن كان الغرم باقيا صحت فيه الدعوى ، ووجبت فيه اليمين فإن نكل السارق عن اليمين ردت على المدعي ، فإذا حلف استحق الغرم ، ولم يجب القطع ، لأن الغرم من حقوق الآدميين ، والقطع من حقوق الله تعالى فأجرى على كل واحد منهما حكم انفراده ، ولم يتغير بالاجتماع والله أعلم .