الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص142
وقد ردت اليمين على عمر ، فحلف ، واستحق ، وردت على زيد بن ثابت ، فحلف . وروي أن المقداد اقترض من عثمان بن عفان مالا ، قال عثمان : هي سبعة آلاف ، فاعترف المقداد بأربعة آلاف ، وتنازعا إلى عمر ، فقال المقداد لعثمان : احلف إنها سبعة آلاف ! فقال له عمر : لقد أنصفك ، فلم يحلف عثمان ، فلما ولى المقداد قال عثمان : والله لقد أقرضته سبعة آلاف ، فقال له عمر : لم لم تحلف قبل أولى ؟ فقال : وما علي أن أحلف ، والله إن هذه لأرض والله إن هذه لسماء ، فقال عثمان : خشيت أن يوافق قدر بلاء ، فيقال : بيمينه ‘ .
وهذا مستفيض في الصحابة لم يظهر فيهم مخالف ، فثبت أنه إجماع .
فإن قيل : قد خالفهم علي بن أبي طالب عليه السلام فيما روي أن رجلا ابتاع من رجل عبدا ، فأصاب به عيبا ، فترافعا إلى شريح ، فقال للبائع : احلف ، فقال : أرد اليمين ، فقال شريح : لا ، فقال علي : قالون ، وهي كلمة رومية قيل : إن معناها جيد ، فصوب بها امتناع شريح من رد اليمين ، فصار قائلا به ، ومنع هذا من انعقاد الإجماع .
قيل : هذه كلمة لا تعرف العرب معناها ، لأنها ليست من لغتهم ، ولو أراد ما ذكر من معناها : لأفصح به ، ولعبر عنه بما يفهم منه ، على أن قوله : قالون بمعنى جيد ، يحتمل أن يريد به أن ما قاله شريح جيد ، ويحتمل أن يريد به أن ما قاله البائع جيد ، فلم يكن فيه مع هذا الاحتمال ، ما يمنع من انعقاد إجماع قد انتفى عنه الاحتمال .
أحدهما : امتناع الحكم بالنكول .
والثاني : جواز رد اليمين .
فأما امتناع الحكم بالنكول فدليله من وجوه منها : أن إثبات الحق لا يكون بنفيه ، لأنه ضد موجبه ، ومن الممتنع أن وجود الضد نافي لحكمه ، ومثبت لحكم ضده ، كالإقرار لا يوجب إنكارا كذلك الإنكار لا يوجب إقرارا ، ويجري هذا الاستدلال قياسا ، وإن كان الاستدلال أصح أنه إنكار ، فلم يثبت به حكم الإقرار ، كالتكذيب لا يثبت به حق التصديق .
ومنها أنه نكول عن يمين ، فلم يجب بها قبول الحق كالحد والقصاص .
فإن قيل : النكول حجة ضعيفة ، فجاز أن يثبت بها أخف الحقوق دون أغلظها كالشاهد والمرأتين يثبت بها الأموال ، ولا يثبت بها الحدود والقصاص .
قيل : إنما ضعف الشاهد والمرأتان لنقص النساء عن كمال الرجال ، والناكل عن