الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص141
قالوا ولأن البينة موضوعة للإثبات ، واليمين موضوعة للنفي ، فلما لم يجز أن يعدل بالبينة إلى النفي ، لم يجز أن يعدل باليمين إلى الإثبات .
قالوا : ولأنها قول المدعي ، فوجب أن لا يلزم به حكم كالدعوى .
قالوا : ولأنه رجح دعواه بقوله ، فلم يقض فيه ، كتكرير الدعوى .
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ( ص ) قال : ‘ المطلوب أولى باليمين من الطالب ‘ .
فوجه الدليل من هذين الخبرين [ أن ‘ أولى ‘ ] يستعمل حقيقة في الاشتراك فيما يترجح أحدهما على الآخر ، كقولك : زيد أفقه من عمرو ، إذا اشتركا في الفقه ، وزاد أحدهما على صاحبه .
ولا يقال : زيد أفقه فيمن ليس بفقيه ، إلا على وجه المجاز .
فلو لم يكن للطالب حق في اليمين لما جعل المطلوب أولى منه ، فيكون أولى في الابتداء ، وينقل عند امتناعه في الانتهاء .
ويدل عليه ما روى الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي ( ص ) رد اليمين على طالب حق ، وهذا نص ذكره أبو الوليد في المخرج ، والدارقطني في اليمين مع الشاهد ، ولأن النبي ( ص ) قال للأنصار في دعوى القتل على يهود خيبر : ‘ تحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ قالوا : لا ، قال : فيبرئكم يهود بخمسين يمينا ‘ .
فدل هذا على نقل اليمين من جهة إلى جهة ، وأبو حنيفة لا يراه ، ويدل عليه إجماع الصحابة . وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني سعد بن ثابت أجرى فرسا ، فوطىء على أصبع رجل من جهينة ، فتألم منها دهرا ، ثم مات ، فتنازعوا إلى عمر رضي الله عنه ، فقال للمدعى عليهم : تحلفون خمسين يمينا أنه ما مات منها ، فأبوا ، فقال للمدعين : احلفوا أنتم ، فأبوا ‘ .
وهذه قضية مشهورة في رد اليمين لم يظهر فيها مخالف .