الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص140
قال الماوردي : وهو كما قال .
إذا نكل المنكر عن اليمين ، لم يحكم عليه بالنكول ، حتى يحلف المدعي ، فيستحق الدعوى بيمينه لا بنكول خصمه .
قال الشافعي : ‘ ليس النكول إقرارا منه بالحق ، ولا بينة للمدعي ، فلا أقضي عليه به ‘ .
وهذا صحيح ، لأن الحقوق تثبت بالإقرار أو البينة ، وليس النكول واحدا منها ، وهو قول الأكثرين من الفقهاء والحكام .
وسواء كانت الدعوى فيما لا يثبت إلا بشاهدين كالنكاح والطلاق والخلع والرجعة ، والقصاص والعتق ، أو كانت فيما تثبت بشاهد وامرأتين أو شاهد ويمين كالأموال أو ما يكون مقصوده المال .
وقال مالك : لا أحكم عليه بالنكول ، لكن إن كانت الدعوى في مال يثبت بالشاهد والمرأتين رددت اليمين على المدعي ، وإن كانت فيما لا يثبت إلا بشاهدين كالنكاح والطلاق والعتق والقتل حبسته حتى يحلف أو يقر .
وقال أبو حنيفة : أحكم عليه بالنكول في الأموال ، بعد أن أقول له ثلاثا : إن حلفت ، وإلا قضيت عليك ، ولا أحكم عليه بالقتل في النكول .
وخالفه أبو يوسف ، فحكم عليه في القتل بالدية دون القود ، وحكم عليه فيما دون النفس بالقود .
وإن كانت الدعوى في نكاح أو طلاق أو عتق أو نسب لم أوجب على المنكر اليمين ، ولم أحكم عليه بالنكول .
ولوجوب الأيمان في جميع الدعاوى موضع يأتي ، وهذا الموضع مختص بالنكول عن اليمين إذا وجبت على المنكر ، هل يقضى عليه بنكوله عنها ؟
واستدل من قضى عليه بالنكول ، ببنائه على مذهبه أن اليمين تختص بالمدعى عليه ، ولا يجوز أن تنقل إلى المدعي ، ولذلك لم يقض بالشاهد واليمين ، فكانت الدلائل مشتركة في الموضعين استدلالا بقول النبي ( ص ) للحضرمي حين أنكره الكندي : ‘ ألك بينة ؟ قال : لا . قال : لك يمينه ليس لك منه إلا ذاك ‘ ، فبين له أن حقه في أحد أمرين بينته أو يمين خصمه ، فدل على أن لا حق له في يمين نفسه قالوا : ولأن البينة حجة للمدعي ، واليمين حجة للمدعى عليه ، فلما لم يجز أن تنقل حجة المدعي ، وهي البينة إلى المدعي لم يجز أن تنقل حق المدعى عليه وهو اليمين إلى المدعي