پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص109

قال مالك : أكره حبس اليمين .

وروى ابن أبي مليكة قال : كتب إلي ابن عباس في جارية ضربت إحداهما الأخرى ، فكتب إلي أن أحبسهما بعد العصر ، ثم أقرأ عليهما : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ آل عمران : 77 ] ففعلت ، فاعترفت .

وروي أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين البيت والمقام ، فقال : أعلى دم ؟ قالوا : لا ، قال : أفعلى عظيم من المال ؟ قالوا : لا . قال : لقد خشيت أن يهزأ الناس بهذا المقام .

فدل على أنهم يحلفون فيه على الدم ، وعلى عظيم من المال ، فهذا ما اتفق عليه من ذكرنا من الصحابة قولا وعملا ، وليس يعرف لهم فيه مخالف ، فثبت أنه إجماع فإن قيل : امتناع زيد من اليمين على المنبر دليل على خلافه ، وارتفاع الإجماع قيل : لم يمتنع إلا للتوقي دون الخلاف ، ولو لم يره جائزا ، لأنكره على مروان ، فقد كان ينكر عليه كثيرا من أفعاله ، فيطيعه مروان ، حتى قال له ذات يوم بمشهد الملأ : إنك أحللت الربا ، فقال مروان : معاذ الله ! ، فقال زيد : إن الناس يتبايعون الأملاك بالصكوك قبل أن يقبضوا ، فوجه مروان مسرعا ، فمنعهم من ذلك طاعة لزيد .

وقد قال أهل التأويل في قول الله تعالى : ( تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ) : إنها بعد صلاة العصر في أيمان من نزلت فيه الآية من تميم الداري ، وعدي بن زيد .

أو لأن الأيمان موضوعة للزجر ، والزمان والمكان أزجر ، فكان باستعماله في الأيمان أجدر ، ولأنه لما جاز تغليظها بالعدد واللفظ ، جاز بالزمان والمكان .

فأما الجواب عن خبر ابن عباس ، فهو أن المقصود به وجوب اليمين دون صفتها ، وأما الجواب عن اعتبارهم بالبينة فمن وجهين :

أحدهما : أن البينة لا تشهد بحق لها ، فارتفعت التهمة عنها ، فاستغنت عن الزجر ، والحالف يثبت حقا لنفسه .

والثاني : أن زجر البينة يفضي إلى توقفها عن ما لزمها من أداء الشهادة ، وذلك معصية يخالف بها حكم الحالف .

وأما الجواب عن جمعهم بين القليل والكثير فمن وجهين :

أحدهما : أن القليل يكتفي في الزجر عنه باليمين ، والكثير لا يكتفي فيه باليمين حتى يقترن بها ما يزجر عن الكثير .