الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص106
أنك خالفت الكتاب إذ لم يجز الله إلا مسلما ، وأجزت كافرا .
مرادهم بهذا : أن يمنعوا من اليمين مع الشاهد ، لأن الله تعالى قد بين الشهادات ، فاقتضى أن تكون مقصورة على ما تضمنه الكتاب ، وليس فيه الشاهد واليمين ، وهذا مما يخالفهم فيه الشافعي حكما ووجودا ، فحكى من وجوده ما وافقوا عليه ، وهو دليل على جوازه ، فقال : ‘ قد نص الله الوضوء في كتابه ، فأجزت فيه المسح على الخفين ، ونص ما حرم من النساء في كتابه ، وأحل ما وراءهن ، فقلت : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، ونص المواريث ، فقال : ‘ لا يرث قاتل ولا مملوك ، ولا كافر ، وإن كانوا ولدا أو والدا ‘ ، وحجب الأم بالإخوة كحجبتها بأخوين ، ونص للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ، ورفع العدة ، وقلت : إن خلا بها ، ولم يمسها فلها المهر ، وعليها العدة ، فهذه أحكام منصوصة في القرآن ، فهذا عندك خلاف ظاهر القرآن ، واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئا . فبين الشافعي وجوده ، وهو دليل على جوازه ، ثم أوضح طريق جوازه ، فقال : ‘ والقرآن عربي ، فيكون عام الظاهر يراد به الخاص ، وكل كلام احتمل في القرآن معاني ، فسنة رسول الله ( ص ) تدل على أحد معانيه ، موافقة له لا مخالفة للقرآن ‘ . يريد بذلك أن ما في القرآن من عام ومجمل ، ففي سنة الرسول ( ص ) تخصيص ما أريد بالعموم ، وتفسير ما أريد بالمجمل ، فلم يمتنع أن يبين بسنته في اليمين مع الشاهد ما يكون موافقا للقرآن ، وغير مخالف له ، فهذه ستة أصول أوردها الشافعي بين ثلاثة فصول منها ، فساد ما اعترض به المخالف ، وبين ثلاثة منها تناقض ما ذهب إليه المخالف على أوضح شرح وبيان ، وبالله التوفيق .