الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص74
في سننه حديثا أسنده إلى أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) ‘ استشرت جبريل في القضاء باليمين مع الشاهد ، فأشار علي بذلك في الأموال لا تعدو ذلك ‘ . وهذا نص ، ولأن الشاهد والمرأتين أقوى من الشاهد واليمين ، فلما لم يحكم بالشاهد والمرأتين في غير الأموال ، فأولى أن لا يحكم بالشاهد واليمين فيه ، ولأن الأموال نفع جهات تملكها ، فاتبع حكم الشاهدة بها ، ولما ضاقت جهات ما عدا الأموال ضاق حكم الشهادة بها .
ولا وجه لاستدلال مالك بالحديث ، لأن قضايا الأعيان لا يدعي فيها العموم .
وقياسه على الشاهدين منتقض بالشاهد والمرأتين ، واستدلاله باليمين في النكول ، فلوجوبها عن اختيار المدعي عليه فعمت في حقه ، واليمين مع الشاهد وجبت من غير اختيار ، فجعلت مقصورة على ما اتسع حكمه ، ولم يضق .
أحدهما : أن يثبته بشاهدين وهو أقواهما ، فيحكم له بالمال .
والثاني : أن يثبته بشاهد وامرأتين ، فيحكم له بالمال بالشاهد والمرأتين ، إلا مع عدم الشاهدين ، لقول الله تعالى : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) [ البقرة : 282 ] .
ودليلنا هو أن الله تعالى خاطب بهذه الآية المستشهدين في توثقهم بالشهادة دون الحكام بقوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) [ البقرة : 282 ] وقد وافق مالك على جواز أن يتوثق المستشهد بشاهد وامرأتين مع القدرة على شاهدين ، فدل على جواز الحكم بالشاهد والمرأتين ، مع القدرة على الشاهدين ، لأن مقصود التوثق بالشهادة : إثبات الحقوق بها عند الحكام .
والثالث : أن يثبته بشاهد ويمين ، فإن كان مع عدم البينة الكاملة بشاهدين ، أو بشاهد وامرأتين ، جاز وثبت به الحق ، وإن كان مع القدرة على البينة الكاملة ، ففي جواز إثباته بشاهد ويمين وجهان :
أحدهما : يجوز مع وجود ما هو أكمل منها ، كما يجوز إثباته بشاهد وامرأتين مع وجود شاهدين .
والوجه الثاني : لا يجوز إثباته بها مع وجود البينة الكاملة ، لأن نقصها عن الكمال ، يبعث على الحكم بها في الاضطرار دون الاختيار .