الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص72
وروى أبو الزناد عن عبد الله بن عامر قال : شهدت النبي ( ص ) وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان يقضون باليمين مع الشاهد وأخبر يحيى أنه قضى بها أبي بن كعب وزيد بن ثابت ، وقضى بها عمر بن عبد العزيز ، وكتب بها إلى خلفائه في جميع الأمصار ، ومثل هذا العمل المشهور إذا لم يعارض بالخلاف كان إجماعا منتشرا ، وحجاجا قاطعا .
فإن قيل : فقد قال الزهري القضاء بالشاهد مع اليمين بدعة وأول من قضى به معاوية .
قيل : قول الزهري مع عمل من ذكرناه مردود وقيل : قال الشافعي : إن الزهري قضى بها حين ولي ، والإثبات الموافق للجماعة أولى من النفي المخالف لهم ، ويدل عليه من طريق الاعتبار أنه أحد المتداعيين ، فجاز أن يكون اليمين في جنبته ، كالمدعى عليه ، ولأن أصول الأحكام موضوعة على أن اليمين تكون في جنبة أقوى المتداعيين ، وأقواهما مع عدم الشهادة جنبة المدعي عليه ، لأن الأصل براءة ذمته ، فإذا حصل مع المدعي شاهد صار أقوى فوجب أن تكون اليمين في جنبته .
أحدهما : أن النسخ عندنا رفع ما لزم دوامه ، والنسخ عندهم أن يصير ما كان مجزءا ، غير مجزىء ، وليس في هذه الآية رفع ما لزم دوامه ، فيكون نسخا عندنا ، ولا فيهما ، إن صار ما يجزىء غير مجزىء ، فيكون نسخا عندهم فصرنا مجمعين على أن ليس في هذا نسخ .
والجواب الثاني : أننا قد رددنا على ما في آية الشهادة ، إن قبلنا في الولادة شهادة النساء منفردات ، وهم قبلوا شهادة القابلة ، وحدها . فلما لم تكن هذه الزيادة نسخا لم تكن اليمين مع الشاهد نسخا .
والجواب الثالث : أن ما في آية الشهادة محمول على حال التحمل ، واليمين مع الشاهد معتبرة في الأداء دون التحمل ، فلم تصر زيادة على النص .
وأما الجواب عن الخبرين فهو أن اليمين التي جعلها النبي ( ص ) في جنبة المدعى عليه ، هي غير اليمين التي جعلناها في جنبة المدعي ، لاختلافهما من وجهين :
أحدهما : وجوبها من المدعى عليه ، وجوازها في جنبة المدعي .
والثاني : أن تلك للنفي ، وهذه للإثبات فلم يصح المنع ، وبمثله يجاب عن الاستدلال الأول .