الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص63
المسلم ، ولأن الكذب يمنع من قبول الشهادة ، والكذب على الله تعالى أعظم من الكذب على عباده ، ثم كانت شهادة من كذب على الناس من المسلمين مردودة ، والكافر الكاذب على الله أولى أن ترد شهادته ، وقد وصف الله تعالى كذبهم فقال : ( لا يحرفون الكلم عن مواضعه ) [ المائدة : 5 ] وقال تعالى : ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) [ آل عمران : 3 ] .
ويتحرر من هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أن من كان موسوما بالكذب ردت شهادته كالمسلم .
والثاني : أن الكذب إذا ردت به شهادة المسلم ، فأولى أن ترد به شهادة الكافر ، كالكذب على الناس ، ولأن نقص الكفر أغلظ من نقص الرق ، لوجهين :
أحدهما : أن نقص الكفر يمنع من صحة العبادات ، ولا يمنع منها نقص الرق .
والثاني : أن نقص الكفر يمنع من قبول الخبر ، ولا يمنع منه نقص الرق ، ثم ثبت باتفاقنا وأبي حنيفة أن نقص الرق يمنع من قبول الشهادة ، فكان أولى أن يمنع من قبولها نقص الكفر ولهذه المعاني منع أبو حنيفة من قبول شهادة عبدة الأوثان اعتبارا بنقص الكفر ، فكذلك أهل الكتاب .
ويتحرر من هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنها شهادة يمنع منها الرق ، فوجب أن يمنع منها الكفر ، قياسا على شهادة الوثني .
والثاني : أنها شهادة يمنع منها كفر الوثني ، فوجب أن يمنع منها كفر الكتابي كالشهادة على المسلم .
فأما استدلاله بالآية فسنذكر من اختلاف أهل التأويل في تفسيرها ما يتكافأ به الاستدلال بها .
وأما قوله تعالى : ( شهادة بينكم ) [ المائدة : 106 ] ففيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها الشهادة بالحقوق عند الحكام .
والثاني : أنها شهادة الحضور للوصية .
والثالث : أنها أيمان ، ومعنى ذلك أيمان بينكم فعبر عن اليمين بالشهادة ، كما قال في أيمان المتلاعنين ( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) [ النور : 6 ] فلا يكون لأبي حنيفة فيها دليل إلا على التأويل الأول ، ويمنعه التأويلان الآخران منهما ، ولا يكون لداود فيها دليل إلا على التأويل الثاني ، ويمنعه التأويلان الآخران فيهما .