الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص62
بابني صوريا ‘ فنشهدما كيف تجدون أمر هذين في التوراة ‘ فقالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : ‘ فما منعكما أن ترجموهما ‘ قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل ، فدعا رسول الله ( ص ) بالشهود فجاؤوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، ‘ فأمر رسول الله ( ص ) برجمهما ‘ .
فدل على قبول شهادة أهل الذمة ، بعضهم على بعض قالوا : ولأن الكفر لا ينافي الولاية ، لأن الكافر يلي على أطفاله وعلى نكاح بناته ، فكان أولى أن لا يمنع من الشهادة ، لأنها أخف شروطا من الولاية .
قالوا : ولأن من كان عدلا من أهل دينه قبلت شهادته كالمسلمين .
قالوا : ولأنه فسق على وجه التأويل ، فلم يمنع من قبول الشهادة كأهل البغي .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ الطلاق : 2 ] فمنعت هذه الآية من قبول شهادتهم من وجهين :
أحدهما : أنهم غير عدول .
والثاني : أنهم ليسوا منا .
وقال تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) [ الحجرات : 6 ] والكافر فاسق ، فوجب أن يتثبت في خبره ، والشهادة أغلظ من الخبر ، فأوجبت التوقف عن شهادته .
وروى عبادة بن نسي عن ابن غنم قال : سألت معاذ بن جبل عن شهادة اليهودي على النصراني ، فقال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ‘ لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم ، وعلى غيرهم ‘ فإذا منع النبي ( ص ) من قبول شهادتهم على غير أهل دينهم ، وأبو حنيفة يسوي بين أهل دينهم وغيرهم دل على أنها لا تقبل على أهل دينهم ، وعلى غيرهم ، ولأن الفاسق المسلم أكمل من الكافر العدل ، لصحة العبادات من الفاسق ، واستحقاق الميراث ، وذلك لا يصح من الكافر ، ولا يستحق ميراث مسلم ، ثم كان الفسق مانعا من قبول الشهادة ، فكان الكفر أولى أن يكون مانعا منها .
ويتحرر لك من هذا الاستدلال قياسان .
أحدهما : أن من لم تقبل شهادته على المسلم ، لم تقبل شهادته على غير المسلم كالفاسق .
والثاني : أن من ردت شهادته بالفسق ردت شهادته بالكفر ، كالشهادة على