الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص57
الشهادة عنده وجهان مخرجان من اختلاف قولي الشافعي في المحكم من غير الحكام ، هل يلزم المتراضيين به حكمه أم لا ؟
فإن قيل : بلزوم حكمه لزم الشاهد أن يشهد عنده .
فإن قيل : لا يلزمهما حكمه لم يلزم الشهادة عنده ، وإن دعي أن يشهد عند حاكم لا يعلم هل يقبل شهادته أو لا يقبلها ؟ لزمته الشهادة عنده ، لجواز أن يقبلها .
فإن شهد عنده فتوقف عن قبولها لاستبراء حاله ، لزمه أن يشهد عند غيره من الحكام إذا دعي إليه ، ولو توقف عن قبولها لها كحكمه برد شهادته لجرحه لم يلزمه أن يشهد بها عند غيره إذا دعي إليها ، لأنه لا يجوز لغيره الحكم بشهادة قد ردت بحكم .
فأما الشهادة بالحق قبل استدعاء الشهادة ، وإن كانت في حق لله تعالى من زكاة ، أو كفارة ، أو حج كان مندوبا إلى الشهادة قبل الاستشهاد ، وهكذا إن كانت في حق مولى عليه بجنون أو صغر ، لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ خير الشهود من أخبر بشهادته قبل أن يدعى ‘ وإن كان الحق لآدمي حاضر ، جائز الأمر عالم بحقه ، كره أن يشهد له قبل الاستدعاء ؛ لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد ‘ فكان لاختلاف هذين الخبرين محمولا على اختلاف هاتين الحالتين ، والله أعلم بالصواب .