الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص56
وأما الدائم : فهو أن يدعى ، مع الصحة إلى المشي إليها ، لتحملها أو لأدائها ، فإن كان إلى موضع لا يخرج به عن بلده عذر بالتأخير سواء قربت المسافة أم بعدت ، وسواء كان ذا مركوب أو لم يكن ، لأن في مفارقة وطنه مشقة يسقط معها فرض الإجابة ، وإن كان الموضع في بلده ، فإن قربت أطراف بلده لصغره لزمته الإجابة ، وإن بعدت أقطاره لسعته اعتبر حاله ، فإن جرت عادته بالمشي في جميع أقطاره لزمته الإجابة ، وإن لم تجر عادته به لم يلزمه ، وإن قدر عليه ، لأن مفارقة العادة شاق إلا أن يكون ذا مركوب فلا مشقة عليه في الركوب ، فتلزمه الإجابة ، فإن حمل إليه ما يركبه وهو غير ذي مركوب اعتبر حاله ، فإن لم يتناكر الناس ركوب مثله لزمته الإجابة ، وإن تناكروها لم يلزمه ، لأن ما ينكره الناس مستقبح وأما الأعذار المتعلقة بماله فضربان :
أحدهما : ما خاف به ضياع مال .
والثاني : ما تعطل به عن اكتساب .
فأما ما خاف به ضياع ماله فهو أن يكون مقيما على حفظه وليس له نائب يقوم مقامه فيه ، فيسقط عنه فرض الإجابة ما كان على حاله .
فإذا زال عنها وجب فرضها ، فإن ضمن له الداعي حفظ ماله لم يلزمه الإجابة لأنه لا يلتزم ائتمان الناس على ماله .
وأما ما تعطل به عن اكتسابه ، فهو أن يكون من أهل المعائش المكتسبين ، فإن دعي في وقت اكتسابه لم تلزمه الإجابة ، وإن دعي في غيره لزمته ، فلو بذل له الدعي قدر كسبه لم يلزمه قبوله ، ولو طلب قدر كسبه نظر ، فإن كان أكثر من أجرة مثله لم يجز ، وإن كان قدر أجرة مثله ، فقد اختلف أصحابنا في جوازه على ثلاثة أوجه :
أحدهما : يجوز له أخذها ، كما يجوز للكاتب أخذ الأجرة على كتابته .
والوجه الثاني : لا يجوز له أخذها ، كما لا يجوز للحاكم أن يأخذ من الخصوم أجرة على حكمه .
والوجه الثالث : له أن يأخذها على التحمل ، وليس له أن يأخذها على الأداء ، لأنه في الأداء متهوم ، وفي التحمل غير متهوم .