الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص44
فإن قيل : فإذا صح منه النكاح ، والطلاق ، والإقرار ، وأقيمت إشارته فيه مقام النطق .
قيل : هذا الجمع ليس بلازم لوجود الضرورة فيما يخصه من العقود التي جعل إشارته كنطقه فيها وعدم الضرورة في الشهادة التي تتعداه إلى غيره ، أن تجعل إشارته فيها كنطقه لإمكان وجود النطق بها من غيره .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أراد أن يشهد بنسب امرأة كانت الشهادة أغلظ منها في نسب الرجل ، لبروز الرجل وخفر المرأة وإباحة النظر إلى الرجل ، وتحريمه في المرأة ، فصارت بهذين الأمرين أغلظ فاحتاج في العلم بنسبها إلى أمرين :
أحدهما : معرفة عينها بالمشاهدة على وجه مباح ، وقد يكون ذلك من أحد وجوه : منها أن يراها في صغرها ، وقبل بلوغها في حالة لا يحرم النظر إليها ، فيثبت معرفة عينها في الصغر حتى لم تخف عليه في الكبر .
ومنها أن تكون من ذوي محارم يستبيح النظر إليهن فيعرفها بالمشاهدة والنظر .
ومنها أن يكثر دخولها على نساء أهله فيقلن له هذه فلانة ، فيعرف شخصها بما يتفق له من نظرة بعد نظرة لم يقصدها ، فيصير عارفا بها .
فأما معرفة كلامها ، فلا يصير به عارفا لها لاشتباه الأصوات ، ومنها أن يتعمد النظر إليها حتى يعرفها ، فهذا موجب لمعرفتها ، لكن إن نظر إلى ما يجاوز وجهها وكفيها كان فسقا ترد به شهادته إلا أن يتوب ، فتقبل وإن نظر إلى وجهها متعمدا لإقامة الشهادة عليها بعد معرفتها كان على عدالته فتقبل شهادته ، وإن نظر إلى وجهها عمدا لشهوة كان فسقا ترد به شهادته ، وإن تعمد النظر إليها لغير شهوة ، فقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال لعلي : ‘ لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولة لك والثانية عليك ‘ فيه تأويلان يختلف حكم عدالته باختلافهما :