الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص42
والبصر في الإدراك ، وضم الفؤاد إليها في الإثبات ، فدل على استقرار العلم بجميعها فيما أدرك إثباته بها ، فاقتضى أن لا يستقر ببعضها ، لأنه يصير ظنا في محل اليقين ، ولأن شهادة البصير في الظلمة ، ومن وراء حائل أثبت من شهادة الأعمى ، لأنه قد يتخيل من الأشخاص ببصره ما يعجز عنه الأعمى ، ثم لم تمض شهادة البصير في هذه الحال فأولى أن لا تمضي شهادة الأعمى المقصر عن هذه الحال .
ولأن الشهادة على العقد إذا عريت عن رؤية العاقد لم تصح كالشهادة بالاستفاضة ، ولأن من لم تصح منه الشهادة على الأفعال لم تصح الشهادة على العقود كالأخرس طردا والبصير عكسا .
ولأن الصوت يدل على المصوت كما يدل اللمس على الملموس ، فلما امتنعت الشهادة باللمس لاشتباه الملموس امتنعت بالصوت لاشتباه الأصوات .
وأما الاستدلال بعموم الآية فمخصوص بأدلتنا .
وأما الاستدلال بأنه لما لم يمنع من النبوة لم يمنع من الشهادة فقد اختلف في عمى شعيب ، فأنكره بعضهم ، واعترف آخرون بحدوثه بعد الرسالة وسلم آخرون وجوده قبل أداء الرسالة ، وفرقوا بين النبوة والشهادة من وجهين :
أحدهما : أن إعجاز النبوة يوجب القطع بصحة شهادته ، وليس كذلك في غيره .
والثاني : أن في النبوة شهادة على مغيب فاستوى فيها الأعمى والبصير ، فخالف من عداه في الشهادة على مشاهد .
وأما الجواب عن جمعهم بين الأنساب والعقود ، فهو أن الأنساب لا تعلم قطعا ، فجاز أن تعلم بالاستدلال ، والعقود يمكن أن تعلم قطعا ، فلم يجز أن تعلم بالاستدلال كالأفعال .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن ما أدرك بحاسة البصر لم يعتبر فيه غيرها ، فهو أن ما أدرك بأحدهما كان هذا حكمه ، وما أدرك بالحاستين اعتبرناهما فيه ، والعقود تدرك بهما فوجب أن يعتبرا فيها .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الصور تختلف كالأصوات فمن وجهين :
أحدهما : أن الصور تشتبه في المبادىء ثم تتحقق في الغايات ، والأصوات تشتبه في المبادىء والغايات .
والثاني : أن المصوت قد يحكي صوت غيره فيشتبه ، وفي الصور لا يمكن أن يحكي صورة غيره فلم يشتبه .