الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص32
والثاني : العزم على ترك مثله .
والثالث : إكذاب نفسه على ما قاله الشافعي ، فاختلف أصحابنا في تأويله على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه محمول على ظاهره ، وهو أن يقول : وإني كاذب في قذفي له بالزنا ، وقد روى عمر أن النبي ( ص ) قال : ‘ توبة القاذف إكذابه نفسه ‘ .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أن إكذاب نفسه أن يقول قذفي له بالزنا كان باطلا ، ولا يقول : كنت كاذبا في قذفي لجواز أن يكون صادقا ، فيصير عاصيا بكذبه كما كان عاصيا بقذفه ، وهل يحتاج أن يقول في التوبة : ولا أعود إلى مثله أو لا ؟ فيه وجهان :
أحدهما : لا يحتاج إليه ، لأن العزم على ترك مثله يغني عنه .
والوجه الثاني : لا بد أن يقول لا أعود إلى مثله ، لأن القول في هذه التوبة معتبر ، والعزم ليس بقول ، وإذا كانت التوبة من القذف معتبرة بهذه الشروط ، فالقذف على ضربين : قذف نسب ، وقذف شهادة .
وأما قذف النسب ، فلا يخلو حال التائب من أن يكون قبل القذف من أهل الشهادة أو من غير أهلها ، فإن كان من أهل الشهادة لم تقبل شهادته بعد التوبة إلا باستبراء حاله ، وصلاح عمله لقول الله تعالى : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) [ النور : 5 ] وإن كان قبل القذف عدلا من أهل الشهادة ، فهل يراعى في قبول شهادته بعد التوبة صلاح عمله أم لا على وجهين :
أحدهما : لا تقبل شهادته إلا بعد استبراء حاله وصلاح عمله لارتفاع ما تقدم من العدالة بما حدث من الفسق .
والوجه الثاني : تقبل شهادته ، وتثبت عدالته بحدوث توبته لأنها رافعة لحكم فسقه .
وأما قذف الشهادة إذا لم يستكمل عدد الشهود ، ففي وجوب حدهم قولان :
أحدهما : لا حد عليهم ، فعلى هذا يكونون على عدالتهم ، ولا يؤخذون بالتوبة ، لأنهم قصدوا إقامة حد الله تعالى .