الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص29
أحدهما : الندم على ما فعل ، والعزم على ترك مثله في المستقبل ، فتصح توبته بهما ، قال الله تعالى : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم ) [ آل عمران : 135 ، 136 ] قوله ( فاستغفروا لذنوبهم ) يريد به الندم ، لأن ظهوره يكون بالاستغفار ، وقوله : ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) هو العزم على تركه من بعد وقبل توبته بالاستغفار وترك الإصرار ، لأنها توبة في الظاهر والباطن ، وهي في الباطن الندم عليه والعزم على ترك مثله ، فإن كان هذا الذنب باطنا أقنع فيه التوبة الباطنة ، وإن كان ظاهرا أقنع فيما بينه وبين الله تعالى التوبة الباطنة ، ولم يقنع فيما بينه وبين العباد إلا التوبة الظاهرة ، فإن تجاوز مأثم هذا الذنب حق الله تعالى إلى أن أثم به في حقوق العباد وإن لم يتعلق به غرم ولا حد ، كمن تعدى بضرب إنسان فآلمه احتاج مع التوبة في حق الله تعالى بالندم والعزم إلى استحلال المضروب باستطابة نفسه ليزول عنه الإثم في حقه ، فإن أحله منه عفوا وإلا مكنه من نفسه ليقاتله على مثل فعله ، وإن كان لا يجب عليه في الحكم قصاص ولا غرم ، لأننا نعتبر في القصاص المماثلة ، وهي هاهنا متعذرة ، ويعتبر في التوبة الانقياد والطاعة ، وهي هاهنا موجودة وروى إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء فرأى رجلا يصلي مع النساء فضربه بالدرة ، فقال الرجل : والله لئن كنت أحسنت لقد ظلمتني ، وإن كنت أسأت فما أعلمتني ، فقال عمر : أما شهدت عزمتي ؟ قال : ما شهدت لك عزمة ، فألقى إليه الدرة ، وقال : اقتص قال : لا أقتص اليوم ، قال : فاعف قال : لا أعفو فافترقا على ذلك ، ثم لقيه من الغد ، فتغير لون عمر ، فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين أرى ما كان مني قد أسرع فيك ، قال : أجل قال : فأشهدك أني قد عفوت عنك .
فبذل له القصاص من الضرب وإن لم يجب ليزول عنه مأثم الخطأ في حقه ، وإن كان الخطأ في حق الله عفوا ، فإن قاد نفسه فلم يستوف منه صحت توبته ، لأن عليه الانقياد ، وليس عليه الاستيفاء .
أحدهما : ما كان الحق المتعلق به مختصا بالآدميين كالغصوب والقتل ، فصحة توبته منه معتبرة بثلاثة شروط :
أحدها : بالندم على فعله .
والثاني : بالعزم على ترك مثله .