الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص27
والثاني : أنه لما كان قوله في آية الحرابة : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) [ المائدة : 34 ] استثناء يعود إلى ما قبله ، وإن كان ما بعده منقطعا ، لأنه صفة ، كذلك صفة هذا في هذه الآية .
والاعتراض الثالث : أن قالوا : رد الشهادة حكم ، والفسق تسمية والخطاب إذا اشتمل على حكم وتسمية وتعقبها استثناء يعود إلى التسمية دون الحكم ، كقوله : أعط زيدا وعمرا الفاسق إلا أن يتوب يعني فإنه لا يكون فاسقا ، وعنه جوابان :
أحدهما : أن الفسق ورد الشهادة حكمان ، فلم يسلم لهم ما ادعوا .
والثاني : أنه لو جاز الفرق بينهما ، لكان عود الاستثناء بالتوبة إلى الحكم أولى من عوده إلى الاسم ، لأن التوبة تغير الأحكام ولا تغير الأسماء ، ثم تدل على المسألة بقول الله تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) [ الشورى : 42 ] فأخبر أن التوبة توجب القبول ، والعفو ، وهم حملوها على القبول دون العفو ، ولذلك قال لهم الشعبي : يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته ؟
ثم يدل عليه من جهة السنة ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ التوبة تجب ما قبلها ‘ أي تقطعه ، وترفعه ، فوجب حمله على العموم دون الخصوص .
ويدل عليه إجماع الصحابة وهو أن عمر بن الخطاب لما جلد أبا بكرة في شهادته على المغيرة بالزنا ، قال له : تب أقبل شهادتك ، فقال : لا أتوب ، وكان هذا القول منه بمشهد من الصحابة ؛ لأنها قصة اجتمعوا لها فما أنكر قوله أحد منهم ، فدل على إجماعهم .
والدليل عليه من الاعتبار : أن الشهادة إذا ردت بفسق قبلت بزوال الفسق ؛ قياسا على جميع ما يفسق به .
ولأن من قبلت شهادته بالتوبة قبل الحد قبلت بالتوبة بعد الحد قياسا على سائر الحدود .
ولأنه محدود في قذف ، فوجب أن تقبل شهادته من بعد التوبة قياسا على الذمي إذا حد في قذف ثم أسلم .
ولأن فعل الزنا أغلظ من القذف بالزنا لتردد القذف بين الصدق والكذب ، فلما قبلت شهادته بالتوبة من أغلظ الاثمين قبل الحد وبعده كان قبوله بالتوبة من أخفهما قبل الحد وبعده أولى .
ولأنه لما عاد إلى العدالة في قبول روايته وجب أن يعود إليها في قبول شهادته ،