الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص325
بعلمه ، فإن منع من الحكم بالإقرار إلا بالشهادة ، لم يحكم عليه بالحد ، وإن أجيز له الحكم بالإقرار من غير شهادة ، حكم عليه بالحد .
وعلى هذا إذا شهد عنده شاهدان بما يعلم خلافه لم يجز أن يحكم بعلمه .
واختلف أصحابنا في جواز حكمه بالشهادة على وجهين :
أحدهما : يحكم بها لأن الشهادة هي المعتبرة في حكمه دون علمه .
والوجه الثاني : وهو أصح لا يجوز أن يحكم بالشهادة ، لأنه متحقق لكذبها .
فأما إذا ذكر القاضي أن بينة قامت عنده فهو مصدق على ما ذكر منها ويجوز له أن يحكم بها على القولين لأنه حاكم بالبينة دون العلم .
وإذا حكم خصمان رجلا من الرعية ليقضي بينهما فيما تنازعاه في بلد فيه قاض أو ليس فيه قاض جاز .
لأن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب تحاكما إلى زيد بن ثابت .
ولأنه لما حكم علي بن أبي طالب في الإمامة كان التحكيم فيما عداها أولى .
وهكذا حكم أهل الشورى فيها عبد الرحمن بن عوف .
وإذا جاز التحكيم في الأحكام فنفاذ حكمه معتبر بأربعة شروط :
أحدها : أن يكون المحكم من أهل الاجتهاد ، ويجوز أن يكون قاضيا ، لأنه قد صار بالتحكيم حاكما ، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد بطل تحكيمه ، ولم ينفذ حكمه .
والشرط الثاني : أن يتفق الخصمان على التراضي به ، إلى حين الحكم فإن رضي به أحدهما دون الآخر أو رضيا به ثم رجعا أو رضي أحدهما بطل تحكيمه ولم ينفذ حكمه سواء حكم للراضي أو للراجع .
والشرط الثالث : أن يكون التحاكم في أحكام مخصوصة .
والأحكام تنقسم في التحكيم ثلاثة أقسام :
قسم يجوز فيه التحكيم : وهو حقوق الأموال ، وعقود المعاوضات ، وما يصح فيه العفو والإبراء .
وقسم لا يجوز فيه التحكيم ، وهو ما اختص القضاة بالإجبار عليه من حقوق الله تعالى والولايات على الأيتام وإيقاع الحجر على مستحقيه .