الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص324
ولأن حقوق الله تعالى موضوعة على التخفيف والمسامحة لإسقاطها بالشبهة .
واستدل من فرق بين ما علمه قبل الولاية وبعدها ، بأن حكمه بعلمه كحكمه بالشهادة فلما لم يجز أن يحكم بما سمعه من الشهادة قبل المحاكمة لم يجز أن يحكم بعلمه قبل الولاية ، ولأن علمه قبل الولاية علم شهادة وبعدها علم حكم فجاز أن يحكم بعلم الحكم ولم يجز أن يحكم بعلم الشهادة .
والدليل على التسوية بين ما قبل الولاية وبعدها : أنه لما جاز أن يحكم في الجرح والتعديل بعلمه قبل الولاية وبعدها ولم يجز أن يحكم في الحدود بعلمه قبل الولاية وبعدها ، وجب أن يكون ما عداهما معتبرا بهما ، إن جاز الحكم فيه بالعلم استوى ما علمه قبل الولاية وبعدها كالجرح والتعديل ، وإن لم يجز أن يحكم فيه بالعلم استوى ما علمه قبل الولاية وبعدها كالحدود فبطل بهذا الفرق بين العلمين .
فأما الجواب عن استدلاله بسماع البينة فهو أن سماع البينة لا يجوز إلا بعد التحاكم ، ويجوز أن يحكم بما علمه قبل التحاكم فافترقا .
وأما الجواب عن استدلاله بأن علمه قبل الولاية علم شهادة وبعدها علم حكم ، فهو أن علم الشهادة قبل الولاية يصير علم حكم بعد الولاية .
فإذا ثبت ما ذكرناه من توجيه القولين وإبطال الفرق بين العلمين فإن قيل بجواز حكمه بعلمه وهو أصح القولين كان نفوذ حكمه بعلمه معتبرا بشرطين :
أحدهما : أن يقول للمنكر قد علمت أن له عليك ما ادعاه .
والثاني : أن يقول وحكمت عليك بعلمي .
فإن اقتصر على أحد الشرطين وأغفل الآخر لم ينفذ حكمه .
وإن قيل بمنعه من الحكم بعلمه ، فقد قال مالك : إذا أقر عنده الخصوم لم يجز أن يحكم على المقر إلا أن يشهد بإقراره شاهدان ، لئلا يصير حاكما بعلمه .
فاختلف أصحابنا في اعتبار هذا إذا منع من الحكم بعلمه .
فذهب بعضهم إلى اعتباره ، وأنه لا يجوز له أن يحكم على المقر بإقراره ، حتى يشهد به شاهدان ، لئلا يصير حاكما بعلمه .
وذهب الأكثرون وهو قول الحسين الكرابيسي وأبي العباس بن سريج إلى أن الشهادة غير معتبرة في إقراره في مجلس الحكم لأنه حكم بالإقرار وليس حكم بالعلم .
وعلى هذا لو أقر في مجلس حكمه بحد لله تعالى وقيل إنه لا يحكم في الحدود .