الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص323
أحدهما : أنت شاهدي ، فقال : ‘ إن شئتما شهدت ولم أحكم أو أحكم ولا أشهد ‘ .
وترافع إلى شريح خصمان فقال للمدعي : ألك بينة ؟ قال نعم أنت شاهدي . قال شريح أنت الأمير حتى أحضر فاشهد لك ‘ ولم يعاصرهما مخالف .
ولأن الشاهد مندوب للإثبات والقاضي مندوب للحكم فلما لم يجز أن يكون الشاهد قاضيا بشهادته لم يجز أن يكون القاضي شاهدا لحكمه .
ولأن الشهادة لا تجوز بأقل من اثنين فلو جاز للقاضي أن يحكم بعلمه لصار إثبات الحق بشهادة واحد .
ولو صار القاضي كالشاهدين لصح عقد النكاح بحضوره وحده لقيامه مقام شاهدين وفي امتناع هذا دليل على منعه من الحكم بعلمه .
واستدل من أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه بقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) [ الإسراء : 36 ] فدل على أنه يجوز أن يقفوا ما له به علم .
وبما رواه عبادة بن الصامت أنه قال : ‘ بايعنا رسول الله ( ص ) بالسمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم بالحق حيث كنا وأن لا نخاف في الله لومة لائم ‘ .
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا يمنع أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق إذا رآه أو سمعه ‘ .
ولأن الحكم بالأقوى أولى من الحكم بالأضعف على ما وصفه الشافعي والحكم في الشهادة بغالب الظن وبالعلم من طريق اليقين والقطع فلما جاز الحكم بالشهادة كان بالعلم أولى وأجوز ، ألا ترى أنه لما جاز أن يحكم بخبر الواحد كان الحكم بخبر التواتر أولى ، ولما جاز الحكم بقول الراوي عن الرسول كان الحكم بقول الرسول ( ص ) أولى .
ولأنه لما جاز أن يحكم في الجرح والتعديل بعلمه ، جاز أن يحكم في غيرهما بعلمه ، لثبوته بأقوى أسبابه .
ولأن منع القاضي من الحكم بعلمه مفض إلى وقوف الأحكام أو فسق الحكام في رجل سمعه القاضي يطلق زوجته ثلاثا أو يعتق عبده ، ثم أنكر العتق أو الطلاق فإن استحلفه ومكنه فسق وإن لم يستحلفه وقف الحكم وإذا حكم بعلمه سلم من الأمرين .
واستدل من منع من الحكم بعلمه في حقوق الله تعالى بقول النبي ( ص ) : ‘ هلا سترته بثوبك يا هزال ؟ ‘ .
وبما روي عن أبي بكر رضوان الله عليه أنه قال : ‘ لو رأيت رجلا على حد لم أحده به حتى تقوم البينة به عندي ‘ .