الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص304
وإنما أحلفه قبل الحكم ؛ لأن المحكوم عليه لو كان حاضرا لجاز أن يدعي ذلك ، فيستحق اليمين فلم يكن له إمضاء الحكم مع هذا الاحتمال ، إلا بعد الاحتياط فيه .
وذهب بعض أصحابنا وهو الحسين بن علي الكرابيسي إلى أن القاضي يطالب المحكوم له بكفيل ، لجواز أن يتجدد ما يوجب بطلان الحكم فيؤخذ به الكفيل .
وذهب جمهور أصحابنا وهو قول أكثر الفقهاء إلى أن مطالبته بالكفيل لا تجب لأمرين :
أحدهما : أنها كفالة بغير مستحق .
والثاني : أن قضاءه على الغائب كقضائه على الميت والصبي ، وليس يلزم أخذ الكفالة في القضاء عليهما ، كذلك لا تلزم في القضاء على الغائب .
ويشترط القاضي في حكمه على الغائب أنه قد جعله على حق وحجة إن كانت له لئلا يقتضي إطلاق حكمه عليه إبطال حججه وتصرفه .
وإن كان الخصم المطلوب غائبا في إعمال هذا القاضي : لم يخل أن يكون له فيه نائب مرتب للأحكام عموما أو خصوصا .
فإن كان له نائب في بلد الغائب لم يلزمه إحضاره وكان بالخيار في الأصلح للخصم من إنفاذه إلى خليفته لمحاكمة خصمه ، أو سماع البينة عليه ومكاتبة خليفته به .
وإن لم يكن في بلد الغائب خليفة فقد قال أبو يوسف : إن كان على مسافة يرجع منها إلى وطنه قبل منام الناس أحضره وإن بعد عنها لم يحضره .
وعند الشافعي يحضر إن كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة . واختلف أصحابنا إن كان على مسافة تقصر فيها الصلاة :
فذهب أكثرهم وهو الظاهر من مذهب الشافعي إلى أنه يحضره للمحاكمة لئلا يتمانع الناس في الحقوق بالتباعد .
وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب إحضاره ، لأنه لما كانت مسافة القصر شرطا في انتقال ولاية الغائب في النكاح إلى الحاكم ، دل ذلك على اعتبار في إحضار الخصم ، وهذا غير صحيح ، للتعليل المتقدم .
وإذا لزم إحضار الغائب على ما بيناه لم يجز للقاضي أن يحضره إلا بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها ؛ لأنه قد يجوز أن يدعي ما لا تصح فيه الدعوى .
حكي أن رجلين تقدما إلى قاض ، فقال أحدهما : إن أخا هذا قتل أخي ، فقال القاضي للمدعى عليه ما تقول ؟ فقال : إن غير هذا قتله غيري فماذا علي .