الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص293
وإذا جاز ارتزاق القضاة بما وصفنا ، فمتى وجد الإمام متطوعا بالقضاء لم يجز أن يعطي على القضاء رزقا وإن لم يجد متطوعا به جاز أن يعطي الرزق عليه .
والأولى بالقاضي إذا استغنى عن الرزق أن يتطوع بعمله لله تعالى التماس ثوابه وإن استباح أخذه مع الحاجة والغنى .
ورزقه مقدر بالكفاية من غير سرف ولا تقتير .
وكذلك أرزاق أعوانه من كاتب ، وحاجب ، ونائب ، وقاسم ، وسجان حتى لا يستجعل واحد منهم خصما .
قال الشافعي : ويجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه ، لأنه لا يستغني عن إثبات الحجج والمحاكمات ، وكتب المحاضر والسجلات ، وهي من عموم المصالح فكان سهم المصالح من بيت المال أحق بتحملها .
فإن تعذرت من بيت المال ، قال القاضي للمحكوم له : إن شئت فأت بقرطاس تكتب فيه شهادة شاهديك وخصومتك ، وهو على التقديم والتأخير ؛ لأنه يبدأ بكتب الخصومة ثم بالشهادة ثم بالحكم .
ولا يكره على القراطيس لأنه لوثيقة هو مخير في التوثق بها وقيل : لك الخيار في إحضار قرطاس تكتب فيه حجتك .
فأما قول الشافعي : اكتب فيه شهادة شاهديك وكتاب خصومتك ، ثم قال ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب ، فأنسى شهادته . فقد اختلف أصحابنا في تأويله على وجهين :
أحدهما : إنه يكتب فيه ما حكم له بالشهادة .
والثاني : أن يكتب فيه الشهادة قبل إنكار الخصم ليحكم بها فمن ذهب إلى التأويل الأول منع من سماع الشهادة قبل إنكار الخصم ومن ذهب إلى التأويل الثاني جوز سماع الشهادة قبل إنكار الخصم .
وإن كان يقطعه النظر عن اكتساب المادة مع صدق الحاجة جاز له الارتزاق منهم على ثمانية شروط :