الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص289
والوجه الثاني : تعتبر استطابة نفوس المقيمين فإن طابت نفوسهم بتقديم المسافرين قدمهم ، وإن امتنعوا لم يجبرهم ، لاستحقاق التقديم بالسبق .
وإن كثر المسافرون حتى ساووا أهل المصر كأيام المواسم بمكة والمدينة وكان في تقديمهم إضرار بالمقيمين لم يجز أن يرفع الضرر عن المسافرين بإدخاله على المقيمين ، ونظر : فإن كان اليوم الواحد للنظر بي المقيمين والمسافرين جعل للمقيمين فيه وقتا وللمسافرين فيه وقتا ، فإن استوى الفريقان سوى بين الوقتين ، وإن تفاضل الفريقان فاضل فيهما بين الوقتين .
وإن كان اليوم الواحد لا يتسع للنظر بين الفريقين ، جعل للمسافرين يوما وللمقيمين يوما إن استوى الفريقان ، وإن تفاضلوا فاضل بينهم في الأيام ، وخص المسافرين بالمجلس الأول إن لم يضر المقيمين ، إما إجبارا على أحد الوجهين وإما باستطابة نفوس المقيمين على الوجه الثاني ، وإن استضر به المقيمون أقرع بينهم في المجلس الأول لأنه ليس فيه سبق يعتبر ، فعدل فيه إلى القرعة ، واستقر بها ترتيب المجالس فيما بعد ليكون مجلس المسافرين معروفا ومجلس المقيمين معروفا حتى يقصد كل فريق في يومه المعروف .
فإذا اتسع مجلس أحد الفريقين في أن ينظر في يقينه للفريق الآخر جاز ، لأنه قد استوفى أهله حقهم فيه فلم يبق لهم حق في باقيه .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن السبق معتبر في تقديم النظر بين الخصوم ، لقول النبي ( ص ) : ‘ منا مناخ من سبق ‘ وكما يراعي السبق في مقاعد الأسواق وفي ورود المياه وفي أخذ المعادن .
فإذا اجتمع الخصوم ندب القاضي لهم من يكتب الأسبق فالأسبق لينظر بينهم على الولاء اعتبارا بالسبق .
فإن اختلفوا في السبق ، أو جاؤوا معا ، أقرع بينهم ، إن أمكنت القرعة ، لقلة عددهم ، ورتبهم على ما خرجت به القرعة .
وإن تعذرت القرعة لكثرة عددهم أثبت اسم كل رجل منهم في رقعة مفردة ، وطواها القاضي بين يديه ، ولو غطاها كان أولى ، ورتبهم على ما تخرج به رقاعهم .
فإذا وجب تقديم أحدهم ، إما بالسبق ، وإما بالقرعة ، لم يجز أن يقدم عليه