الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص283
وأما هدايا دار الإسلام فتقسم على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يهدي إليه من يستعين به إما على حق يستوفيه ، وإما على ظلم يدفعه عنه ، وإما على باطل يعينه عليه ، فهذه هي الرشوة المحرمة .
روى أنس بن مالك أن النبي ( ص ) قال : ‘ لعن الراشي والمرتشي والرائش ‘ فالراشي : باذل الرشوة ، والمرتشي : قابل الرشوة ، والرائش : المتوسط بينهما .
ولأن الهدية إن كانت على حق يقوم به فهو من لوازم نظره ولا يجوز لمن لزمه القيام بحق أن يستعجل عليه كما لا يجوز أن يستجعل على صلاته وصيامه .
وإن كان على باطل يعين عليه ، كان الاستعجال أعظم تحريما ، وأغلظ مأثما .
فأما باذل الرشوة فإن كانت لاستخلاص حق أو لدفع ظلم لم يحرم عليه بذلها ، كما لا يحرم افتداء الأسير بها .
وإن كانت لباطل يعان عليه يحرم عليه بذلها كما حرم على المبذول له أخذها ، ووجب رد الرشوة على باذلها ولم يجز أن توضع في بيت المال .
والقسم الثاني : أن يهدي إليه من كان يهاديه قبل الولاية من ذي نسب أو مودة فهذه هدية ، وليست برشوة . وهي ثلاثة ضروب :
أحدها : أن تكون بقدر ما كانت قبل الولاية لغير حاجة عرضت ، فيجوز له قبولها لانتفاء الظنة عنها ، وللعرف الجاري في التواصل بها .
والضرب الثاني : أن تقترن بحاجة عرضت له فيمتنع من قبوله عند الحاجة ويجوز أن يقبلها بعد الحاجة فقد روي أن زيد بن ثابت كان يهدي إلى عمر بن الخطاب لبنا فيقبله ، حتى اقترض زيد مالا من بيت المال ، وأهدى اللبن ، فرده عمر ، فقال زيد : لم رددته ؟ فقال : لأنك اقترضت من بيت المال مالا ، فقال زيد : لا حاجة لي في مال يقطع الوصلة بيني وبينك ، فرد المال وأهدى اللبن فقبله منه .
والضرب الثالث : أن يزيد في هديته على قدر العادة لغير حاجة فينظر : فإن كانت الزيادة من جنس الهدية جاز قبولها لدخولها في المألوف وإن كانت من غير جنس الهدية منع من قبولها لخروجها عن المألوف .
والقسم الثالث : أن يهدي إليه من لم يكن يهاديه قبل الولاية فهذا على ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يهدي إليه من يخطب منه الولاية على عمل يقلده ، فهذه رشوة تخرج من حكم الهدايا يحرم عليه أخذها ، سواء كان خاطب الولاية مستحقا لها ، أو غير مستحق وعليه ردها ، ويحرم على باذلها إن كان غير مستحق للولاية وإن كان مستحقا
