الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص276
وفي التسوية بين المسلم والكافر في المجلس وجهان :
أحدهما : يسوي بينهما فيه ، كما سوى بينهما في المدخل والكلام .
والوجه الثاني : يقدم المسلم في الجلوس على الكافر لما روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه اختصم مع يهودي وجد معه درعا ضاعت منه يوم الجمل ، إلى شريح ، فلما دخلا عليه ، قام شريح عن مجلسه ، حتى جلس فيه علي وجلس شريح واليهودي بين يديه فقال علي : لولا أن خصمي ذمي لجلست معه بين يديك لكن سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ‘ لا تساووهم في المجالس ‘ .
ولولا ضعف في إسناد هذا الحديث لقدم المسلم على الذمي وجها واحدا ولكلا الوجهين مع ضعفه وجه .
فإن اختلف جلوس الخصمين بين يديه ، فتقدم أحدهما على صاحبه ، كان القاضي بالخيار بين أن يؤخر المتقدم ، أو يقدم المتأخر .
والأولى أن ينظر : فإن كان المتقدم قد جلس في مجلس الخصوم ، وتأخر عنه الآخر ، قدمه إليه ، وإن كان المتأخر قد جلس في مجلس الخصوم ، وتقدم عليه الآخر أخره إليه ، حتى يساويا فيه .
وقد روي أن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب تقاضيا إلى زيد بن ثابت في محاكمة بينهما ، فقصداه في داره فقال زيد لعمر : لو أرسلت إلي لجئتك ، فقال عمر في بيته يؤتى الحكم فأخذ زيد وسادته ليجلس عليها عمر فقال عمر : هذا أول جورك سو بيننا في المجلس فجلسا بين يديه ، ونظر بينهما فتوجهت اليمين على عمر فقال زيد لأبي : لو عفوت أمير المؤمنين عن اليمين ؟ فقال عمر : ما يدري زيد ما القضاء ، وما على عمر أن يحلف أن هذه أرض وهذه سماء .
ومن عادة جلوس الخصوم ، أن يجلسوا في التحاكم بروكا على الركب ، لأنه عادة العرب في التنازع ، وعرف الحكام في الأحكام .
فإن كان التخاصم بين النساء ، جلس متربعات ، بخلاف الرجال ، لأنه أستر لهن .
وإن كان بين رجل وامرأة ، برك الرجل وتربعت المرأة ، لأنه عرف لجنسها فلم يصر تفضيلا لها .
