الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص245
قال الماوردي : والأصل في الحكم بالقسمة قول الله تعالى : ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) [ النساء : 8 ] .
وقال رسول الله ( ص ) : ‘ إن الله تعالى لم يرض في قسمة الأموال بملك مقرب ولا بنبي مرسل حتى تولى قسمتها بنفسه ‘ .
وقسم رسول الله ( ص ) غنيمة بدر بشعب من شعاب الصفراء وقسم غنائم خيبر على ثمانية عشر سهما وقسم غنائم حنين بأوطاس وقيل بالجعرانة .
واختصم إليه رجلان في مواريث تقادمت وتدارست فقال : اذهبا فاقتسماها واستهما وتحالا ، وقد كان للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قسام وكان قاسم علي رضي الله عنه عبد الله بن يحيى يعطيه رزقه من بيت المال .
ولأن بالناس إلى قسمة المشترك حاجة فلم يجدوا بدا من قاسم ينصفهم في الحقوق وإذا كان كذلك فقد قال الشافعي : القسام حكام ، وإنما كانوا حكاما لأمرين :
أحدهما : أنهم قد يوقعون القسمة جبرا كما يجبر الحكام في الأحكام .
والثاني : أنهم يستوفون الحقوق لأهلها كاستيفاء الحكام .
ولئن كانوا حكاما لهذين الأمرين فإنهم يخالفون حكام الأحكام من وجهين :
أحدهما : أن حكم القسام مختص بالتحري في تمييز الحقوق وإقرارها وحكم الحكام مختص بالاجتهاد في أحكام الدين وإلزامها .
والثاني : استعداء الخصوم يكون إلى الحكام دون القسام لأن للحكام ولاية يستحقون بها إجابة المستعدي وليس للقسام ولاية ولا عدوى .
وإنما يقسمون بأمر الحكام لهم أو لتراضي الشركاء بهم فصارلوا في القسمة أعوان الحكام فلزم الحاكم أن يختار لنظره من القسام من تكاملت فيه شروط القسمة وهي ثلاثة :
أحدها : العدالة ؛ لأنه حاكم مؤتمن فلا يجوز أن يكون عبدا ولا فاسقا .
والثاني : قلة الطمع ونزاهة النفس حتى لا يرتشي فيما يلي ويجوز .
والثالث : علمه بالحساب والمساحة ؛ لأنه مندوب لهما ، وعامل بهما واعتبار هذين في القاسم كاعتبار العلم في الحاكم فإذا عرف تكامل هذه الشروط الثلاثة فيه عين على اختياره وندبه للقسمة في عمله .