الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص232
حال شهود الفرع امتنع أن يثبت بهم حكم شهود الأصل .
ودليلنا أن القاضي وإن كان فرعا لمن شهد عنده فهو أصل لمن أشهده على نفسه وتغير حال الأصل لا يمنع من ثبوت الحكم بالفرع كالشهادة على الشهادة ، لا يمنع تغير حال شهود الأصل من ثبوت حكمهم شهود الفرع .
فصار علة الاختلاف أن أبا حنيفة أجرى عليه حكم الفرع اعتبارا بمن شهد عنده والشافعي أجرى عليه حكم الأصل اعتبارا بمن أشهده على نفسه .
واعتباره بالأصل أولى من اعتباره بالفرع ؛ لأنه لما كان فرعا لأصل ، وأصلا لفرع ، كان اعتبار حكم الحال أولى من اعتبار حكم قد زال .
وإن تغيرت حال الكاتب بفسق أو جنون فالحكم فيهما واحد .
فليس يخلو حال الكتاب من أن يكون بحكم أو شهادة .
فإن كان الكتاب بحكم قد أمضاه في حال سلامته ، وجب قبول كتابه بعد تغير حاله ؛ لأن ما نفذ من الأحكام في حال الجواز لم يتعقبه فساد .
وإن كان الكتاب بشهادة قد ثبتت عنده نظر : فإن تغيرت حاله بعد قبول كتابه ثبت حكمه ، وإن تغيرت قبل قبوله ، سقط حكمه ، كالشهادة على الشهادة إذا فسق فيها شهود الأصل بعد قبول شهود الفرع صحت الشهادة ولو فسقوا قبل قبول شهود الفرع سقطت الشهادة .
فأما إذا تغيرت حال القاضي المكاتب بموت أو عزل أو جنون أو فسق سقط أن يكون قابلا وحاكما به .
فإن تقلد مكانه غيره من القضاة فقد اختلف أصحابنا : هل يجوز أن يقوم في قبول الكتاب مقام الأول المعزول ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو مذهب البصريين ، وبه قال أبو حنيفة : أنه لا يجوز له قبول كتاب إلى غيره كالشهادة عند المعزول ، ولا يحكم بها المولى بعده .
والوجه الثاني : وهو مذهب البغداديين يجوز له قبول كتابه إلى المعزول لأن المعمول من الكتاب بما يؤديه شهوده من حكم الأول بمضمونه ، فكان ثبوت الشهادة به عند الثاني كثبوتها به عند الأول فوجب أن يستويا فيه .
وقد حكي أن قاضيا بالكوفة كتب إلى إياس بن معاوية وهو قاضي البصرة كتابا بحكم فوصل بعد عزل إياس وولاية الحسن البصري فقبله الحسن وحكم به .