الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص200
وهذا صحيح ، وقد جاء كتاب الله تعالى بمثل معناه وهو قوله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ) [ آل عمران : 118 ] .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا تستضيئوا بنار المشركين ‘ . أي لا ترجعوا إلى آرائهم ، ولا تعولوا على مشاورتهم .
وروي أن أبا موسى الأشعري قدم على عمر بن الخطاب ومعه كاتب نصراني ، فأعجب عمر بخطه وحسابه ، فقال لأبي موسى احضر كاتبك ، ليقرأه فقال أبو موسى : إنه نصراني لا يدخل المسجد فزبره عمر وقال ‘ لا تأمنوهم وقد خونهم الله ، ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله ، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله ‘ .
وقال الشافعي في الأم : ما ينبغي لقاض ولا وال أن يتخذ كاتبا ذميا ، ولا يضع الذمي في موضع يفضل به مسلما ، ويعز المسلمين أن تكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم ، والقاضي أهل الناس في هذا عذرا .
فإذا استكتب القاضي من وصفنا ، وأحضره مجلس حكمه ، وأجلسه في الاختيار عن يساره ، ليثبت ما يحكم به من إقرار ، أو سماع بينة ، أو تنفيذ حكم يذكر فيه المحكوم له ، والمحكوم عليه ، بأسمائهما ، وأنسابهما ، وبقدر ما حكم به ، وسبب حكمه ، من إقرار ، أو بينة ، وإن حلاهما عند الجهالة بهما كان أولى .
والقاضي فيما يكتبه الكاتب من ذلك بين أمرين : إما أن يلقيه عليه ، حتى يكتبه من لفظه ، أو يكتبه الكاتب بألفاظه والقاضي ينظر إليه ، أو يقرأه بعد كتابته ، ويعلم فيه القاضي بخطه ، ويشهد به على نفسه ، ليكون حجة للمتحاكمين .
ويكتب الكاتب ذلك على نسختين ، تكون إحداهما في ديوان القاضي ، والأخرى بيد المحكوم له .
فإن قصر القاضي فيما وصفناه كان مفرطا في حقوق ولايته ، ومفرطا في حقوق الخصوم ، وإن استوفاها سلم من التفريط فيهما .
قال الماوردي : وهذا صحيح ؛ لأن القاسم أمين الحاكم ، فوجب أن يكون على صفات الكاتب ، من العدالة ، والأمانة ، واستكمال الأوصاف الأربعة ، ويزيد عليها : أن يكون عارفا بالحساب ، والمساحة ، والقسمة ، وأن يكون عارفا بالقيم .